ملوكهم من هلك ، وبقي ألمان أكبر ملوكهم ، ومن هو دونه ، واختلفت الآراء بينهم فيما يقصدون منازلته من البلاد الإسلامية ، والأعمال الشامية إلى أن استقرت الحال بينهم على منازلة مدينة دمشق ، وحدثتهم نفوسهم الخبيثة بملكتها ، وتبايعوا ضياعها وجهاتها ، وتواصلت الأخبار بذلك ، وشرع متولي أمرها الأمير معين الدين أنر في التأهب والاستعداد لحربهم ، ودفع شرهم ، وتحصين ما يخشى من الجهات ، وترتيب الرجال في المسالك والمنافذ ، وقطع مجاري المياه (١٦١ ظ) إلى منالهم وطم الآبار ، وعفى المناهل ، وصرفوا أعنتهم إلى ناحية دمشق في حشدهم وحدهم وحديدهم ، في الخلق الكثير على ما يقال ، تقدير الخمسين ألف من الخيل والرجل ، ومعهم من السواد والجمال والأبقار ما كثروا به العدد الكثير ، ودنوا من البلد ، وقصدوا المنزل المعروف بمنازل العساكر (١) فصادفوا الماء معدوما فيه ، مقطوعا عنه ، فقصدوا ناحية المزة ، فخيموا عليها لقربها من الماء ، وزحفوا إليه بخيلهم ورجلهم ، ووقف المسلمون بإزائهم في يوم السبت السادس من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ، ونشبت الحرب بين الفريقين ، واجتمع عليهم من الأجناد والأتراك الفتاك ، وأحداث البلد والمطوعة بكثرة الأعداد والعدد ، وغلبوا على الماء ، وانتشروا في البساتين ، وخيموا فيها ، وقربوا من البلد ، وحصلوا منه بمكان لم يتمكن أحد من العساكر قديما ولا حديثا منه ، واستشهد في هذا اليوم الفقيه الإمام يوسف الفندلاوي المالكي (٢) رحمهالله ، قريب الربوة على الماء ، لوقوفه في وجوههم ، وترك الرجوع عنهم ، اتباعا لأوامر الله تعالى في كتابه الكريم ، وكذلك عبد الرحمن الحلحولي الزاهد رحمهالله جرى أمره هذا المجرى.
__________________
(١) يقول وليم الصوري : ٢ / ١٨٧ بأنهم عسكروا أولا قرب داريا.
(٢) هو «يوسف» بن دوناس بن عيسى ، أبو الحجاج المغربي ، الفقيه المالكي .. قدم الشام ، وسكن بانياس مدة ، وانتقل إلى دمشق ، فاستوطنها ، ودرس بها بمذهب مالك ، وحدث بالموطأ وغيره .. وكان شيخا حسن المفاكهة ، حلو المناظرة ... كريم النفس ، مطرحا للتكلف ، قوي القلب ، صاحب كرامات». مرآة الزمان : ١ / ٢٠٠.