وأما أخبار المغرب ، والحوادث فيه ، فلم تسكن النفس إلى إثبات شيء من طوائح أخباره ، وما يؤخذ من أفواه تجاره ، وقد أفردت من أحوال الخوارج فيه ، والفتن المتصلة بين أهليه من الحروب المتصلة ، وسفك الدماء ما لا تثق النفس به ، لاختلاف الروايات وتباين الحكايات ، وكان قد ورد من فقهاء المغاربة من وثقت النفس بما أورده ، وسكنت إلى ما شرحه ، وعدده ، وحضرت كتب من أهل المغرب إلى أقاربهم ببعض الشرح ، ووافق ورود ذلك في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بالتواريخ المتقدمة والحكايات المختلفة ، فرأيت ذكر ذلك وشرحه في هذا المكان : فمن ذلك ظهور المعروف بالفقيه السوسي ، الخارج بالمغرب ، وما آل إليه أمره ، إلى أن هلك ، ومن قام بعده واستمر على مذهبه ، وما اعتمده من الفساد ، وسفك الدماء ، ومخالفة الشريعة الإسلامية ، ومبدأ ذلك على ما حكي ظهور المعروف بالفقيه أبي [عبد الله](١) محمد بن تومرت من جبل السوس ، ومولده به ، وأصله مصمودي ، وكان غاية في التفقه والدين ، مشهورا بالورع والزهد ، وكان قد سافر إلى العراق وجال في تلك الأعمال ، ومهر في المناظرة والجدال ، واجتمع بأئمة الفقهاء ، وأخذ عنهم ، وسمع منهم ، وعاد إلى ناحية مصر وما والاها ، واجتمع مع علمائها ، وقرأ عليهم ، ثم عاد إلى المغرب ودعا إلى مذهب الفكر ، وابتداء ظهوره في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في مدينة تعرف بدرن (٢) في جبل أوله في البحر المحيط وآخره في بحر الاسكندرية في رأس أوثان ، وغلب على جبل السوس ، واجتمع إليه خلق كثير من قبائل المصامدة بجبل درن ، وقيل إنه وصل إلى المهدية وأمر أهلها أن يبنوا قصرا على نية الفكرة ، (١٥٨ ظ) وأن يعبدوا الله فيه بالفكرة ، فاجتمع مشايخ أهل المهدية وفقهاؤها ، وعزموا على بناء ما أمرهم به ، والعبادة لله تعالى فيه ،
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين تقويما. انظر الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ، تحقيقي. ط.
الدار البيضاء : ١٩٧٩ ص : ١٣٠.
(٢) كذا ، فدرن اسم الجبل ، وهو ما ندعوه الآن باسم الأطلس الكبير ، وقد ولد وسط هرغة وهي قبيلة بالسوس الأقصى. الحلل الموشية : ١٠٣.