من إقطاعاتهم ، ورحل عنها عائدا إلى صرخد ، وجرى الأمر في تسليمها إلى معين الدين على هذه القضية ، وعاد العسكران إلى دمشق ووصلاها في يوم الأحد السابع والعشرين من المحرم سنة اثنتين وأربعين ، وأقام نور الدين في الدار الأتابكية ، وتوجه عائدا إلى حلب في يوم الأربعاء انسلاخ المحرم من السنة المذكورة.
وفي هذا الوقت وصل ألتونتاش ، الذي خرج من صرخد إلى الأفرنج بجهله وسخافة عقله ، إلى دمشق من بلاد الأفرنج ، بغير أمان ولا تقرير واستئذان ، توهما منه أنه يكرم ويصطنع بعد الإساءة القبيحة ، والارتداد عن الإسلام فاعتقل في الحال ، وطالبه أخوه خطلخ ، بما جناه عليه من سمل عينيه ، وعقد لهما مجلس حضره القضاة والفقهاء ، وأوجبوا عليه القصاص ، فسمل كما سمل أخاه ، وأطلق إلى دار له بدمشق فأقام بها.
وفي ذي الحجة من سنة إحدى وأربعين ورد الخبر بأن السلطان شاهنشاه مسعودا عمل رأيه وتدبيره على تطييب نفس الأمير عباس ، فسكن إلى ذلك بعد التوثقة بالأيمان المؤكدة والعهود المشددة ووصل إليه إلى بغداد ساكنا إلى ما كان تأكد من إيمانه على نفسه وجماعته ، وكان السلطان قد تمكن في نفسه من الرعب منه ، والخوف على عسكره من قوة شوكته ، ومشهور هيبته ، وكثرة عدده (١٥٨ و) وعدته ما لم يمكنه ترك الفرصة فيه ، وقد أمكنت ، والغرة قد تسهلت وتيسرت ، فرتب له جماعة للفتك به عند دخوله عليه ، فعوجل عليه بالقتل (١) ونهبت خزائن أمواله وآلاته وكراعه ، وامتلأت أيدي جماعة من نهبها ، وتفرق عسكره في البلاد والأعمال ، وكان له الذكر الحسن والفعل المستحسن ، والأجر الوافر ، والمدح السائر بما كان له في مجاهرة أحزاب الباطنية ، والفتك بهم ، والقمع لهم والحصر في معاقلهم ، والكف لشرهم ، ولكن الأقدار لا تغالب ، والأقضية لا تدافع.
__________________
(١) كان عباس صاحب الري «عسكره أكثر من عسكر السلطان» الكامل لابن الأثير : ٩ / ١٥.