فقام رجل من كبار الفقهاء ، وقال : نقيم ما أقمنا بالمهدية ، ويجيء إليكم رجل بربري مصمودي ، يأمركم بالعبادة بالفكرة فتجيبون إلى ما أمركم به ، وتسارعون إلى قبول ما ذكره لكم؟ وأنكر هذا الأمر إنكارا شديدا ، حتى عادوا عنه ، وأبطلوه ، واقتضت هذه الحال خروج الخارجي من المهدية ، إذ لم يتم له فيها أمر ، ولا بلغ غرضا ، وقصد بلدا في الغرب يعرف ببجاية (١) في أيدي بني حماد من صنهاجة ، وشرع في الإنكار على أهله شرب الخمور ، وجعل يكسر الأواني إلى أن منع من شربها ، وساعده على ذلك ابن حماد (٢) مقدم هذا البلد وحمل إليه مالا ، فامتنع من أخذه ، وتعفف عنه لما أظهره من الزهد في الدنيا ، والتفقه والورع ، ثم خرج من هذا البلد وقصد مدينة أغمات ، فأظهر فيها الزهد وتدريس الفقه ، وصار معه من أتباعه تقدير أربعمائة رجل من المصامدة ، ثم ارتفع أمره ، وظهر شره ، واتصل خبره إلى الأمير ابن يوسف بن تاشفين (٣) وما هو عليه وما يظهره ويطلقه من إباحة دمه ودم أصحابه ، وأهل مملكته ، فاستدعاه الأمير المذكور إلى حضرته ، وجمع له وجوه الفقهاء والمقدمين ، إلى مجلس حفل ووقع الاختيار من الجماعة على فقيه يعرف بأبي عبد الله محمد بن مالك بن وهيب الأندلسي (٤) ، لمناظرته فناظره في هذا المحفل ، فاستظهر عليه في المناظرة ، وقهره وغلبه ، فقال الخارجي السوسي المناظر له : انظرني ، فأجابه إلى ما طلب ، ثم قال لابن يوسف بن
__________________
(١) في الأصل : بجامه ، وهي عبارة مصحفة صوابها ما أثبتناه ، انظر الحلل الموشية : ١٠٦ حيث جاء : «ولما وصل إلى المهدية غير بها المنكر ، فرفع أمره إلى العزيز ابن الناصر [علي بن يحيى بن تميم ابن المعز بن باديس] فهم أن يأخذه فهرب إلى بجاية ، فبلغ خبره لابن حماد صاحبها ، فاختفى وخرج منها».
(٢) في الأصل : ابن حمدون ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا وكان يحكم بجاية من آل حماد يحيى ابن العزيز ، انظر أخبار المهدي بن تومرت للبيذق صاحب المهدي ط. الرباط ١٩٧١. ص : ١٣ و.
أعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب ط. الدار البيضاء ١٩٦٤ : ٣ / ٩٩.
(٣) علي بن يوسف بن تاشفين. الحلل الموشية : ٩٧ ـ ١٠٢.
(٤) مالك بن وهيب الاشبيلي ، كان فقيها فيلسوفا ، ذكره صاحب المعجب : ١٨٤ ـ ١٨٦. ط.
القاهرة ١٩٤٩. أخبار المهدي : ٢٧. الحلل الموشية : ١٠٠.