عسكره ، فثنى إليه الأعنة ، وأغذ السير ، ووصل إلى دمشق في يوم الأربعاء السابع وعشرين من ذي الحجة من السنة ، وخيم بعين شواقة (١) ، وأقام أياما يسيرة ، وتوجه نحو صرخد ، ولم يشاهد أحسن من عسكره وهيئته وعدته ، ووفور عدته.
واجتمع العسكران وأرسل من بصرخد إليهما يلتمس الأمان ، والمهلة أياما ، ويسلم المكان ، وكان ذاك منهم على سبيل المغالطة والمخاتلة ، إلى حين يصل عسكر الأفرنج لترحيل النازلين عليهم ، وقضى الله تعالى للخيرة التامة للمسلمين ، والمصلحة الشاملة لأهل الدين وصول من أخبر بتجمع الأفرنج واحتشادهم ونهوضهم في فارسهم وراجلهم مجدين السير إلى ناحية بصرى ، وعليها فرقة وافرة من العسكر محاصرة لها ، فنهض العسكر في الحال والساعة عند المعرفة بذاك إلى ناحية بصرى ، كالشواهين إلى صيدها والبزاة (١٥٧ ظ) إلى حجلها ، بحيث سبقوا الأفرنج إلى بصرى ، فحالوا بينهم وبينها ، ووقعت العين على العين ، وقربت المسافة بين الفريقين ، واستظهر عسكر المسلمين على المشركين ، ملكوا عليهم المشرب والمسرب وضايقوهم برشق السهام وإرسال نبل الحمام ، وأكثروا فيهم القتل والجراح وإضرام النيران في هشيم النبات في طرقهم ومسالكهم ، وأشرفوا على الهلاك والدمار ، وحلول البوار ، وولوا الأدبار ، وتسهلت الفرصة في إهلاكهم ، وتسرعت الفوارس والأبطال إلى الفتك بهم ، والمجاهدة فيهم.
وجعل معين الدين يكف المسلمين عنهم ، ويصدهم عن قصدهم ، والتتبع لهم في انهزامهم ، إشفاقا من كرة تكون لهم ، وراجعة عليهم ، بحيث عادوا على أعقابهم ناكصين ، وبالخذلان منهم منهزمين ، قد شملهم الفناء ، وأحاط بهم البلاء ، ووقع اليأس من فلاحهم ، وسلمت بصرى إلى معين الدين بعد تقرير أمر من بها ، وإجابتهم على ما اقترحوه
__________________
(١) لم أجدها في المصادر الجغرافية.