إلى أن استقرت الحال بينهما على أجمل صفة ، وأحسن قضية ، وانعقدت الوصلة بين نور الدين وبين ابنة معين الدين ، وتأكدت الأمور على ما اقترح كل منهما ، وكتب كتاب العقد في دمشق بمحضر من رسل نور الدين ، في الخميس الثالث والعشرين من شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، وشرع في تحصيل الجهاز ، وعند الفراغ منه توجهت الرسل عائدة إلى حلب ، وفي صحبتهم ابنة معين الدين ومن في جملتها من خواص الأصحاب في يوم الخميس النصف من ذي القعدة من السنة.
وكان معين الدين قد حصل آلات الحرب والمنجنيقات ، وجمع من أمكنه جمعه من الخيل والرجل ، وتوجه إلى ناحية صرخد وبصرى بعد أن أخفى عزيمته ، وستر نيته استظهارا لبلوغ طلبه ، وتسهيل أربه (١٥٧ و) ونزل غفلة على صرخد ، وكان المعروف بها بألتونتاش غلام أمين الدولة كمشتكين الأتابكي ، الذي كان واليها أولا ، وكانت نفسه قد حدثته بجهله ، أنه يقاوم من يكون مستوليا على مدينة دمشق ، وأن الأفرنج يعينونه على مراده وما يلتمسه من إنجاده وإسعاده ، ويكونون معه على ما نواه من عيثه وإفساده ، وكان قد خرج للأمر المقضي من حصن صرخد إلى ناحية الأفرنج للاستنصار بهم ، وتقرير أحوال الفساد معهم ، ولم يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين ، ولم يشعر بما نواه معين الدين من إرهاقه بالمعاجلة ، وعكس آماله بالمنازلة فحال بينه وبين العود إلى أحد الحصنين المذكورين ، ولم تزل المحاربة بين من في صرخد والمنازلين متصلة ، والنقوب مستعملة ، والمراسلات مترددة ، والتهديد ، إن لم يجب إلى المطلوب ، ومعين الدين لا يعدل عن المغالطة والمدافعة ، وكان قد عرف تجمعهم وتأهبهم للنهوض إليه وإزعاجه وترحيله (١) عنها ، فأوجبت هذه الحال أن راسل نور الدين صاحب حلب يسأله الإنجاد على الكفرة الأضداد بنفسه وعسكره ، فأجابه إلى ذلك ، وكان لاتفاق الصلاح مبرزا بظاهر حلب في
__________________
(١) في الأصل «وترحيلهم» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.