عن قلعة جعبر لخوف صاحبها من طلبه منه ، ووصل إلى دمشق متيقنا أنه قد أمن بها ، ومدلا بما فعله ، وظنا منه أن الحال على ما توهمه ، فقبض عليه ، وأنفذ إلى حلب صحبة من حفظه وأوصله إليها ، فأقام بها أياما ، ثم حمل إلى الموصل ، وذكر أنه قتل بها.
ووردت الأخبار في أثناء ذلك في أيام من جمادى الآخرة من السنة بأن ابن جوسلين جمع الأفرنج من كل ناحية ، وقصد مدينة الرها على غفلة بموافقة من النصارى المقيمين فيها فدخلها واستولى عليها ، وقتل من فيها (١٥٦ ظ) من المسلمين فضاقت الصدور باستماع هذا الخبر المكروه ، ووردت الأخبار مع ذلك ، بأن الأمير نور الدين صاحب حلب نهض في عسكره ، ومن انضاف إليه من التركمان عند وقوعه على الخبر ، وتقدمه سيف الدولة سوار ، وأغذوا السير ليلا ونهارا وغدوا وابتكارا ، مع من اجتمع من الجهات ، وهم الخلق الكثير ، والجم الغفير زهاء عشرة آلاف فارس ، ووقفت الدواب في الطرقات من شدة السير ووافوا البلد ، وقد حصل ابن جوسلين وأصحابه فيه ، فهجموا عليهم ووقع السيف فيهم ، وقتل من أرمن الرها والنصارى من قتل ، وانهزم [من انهزم] إلى برج يقال له برج الماء ، فحصل ابن جوسلين في تقدير عشرين فارسا من أبطال أصحابه ، وأحدق بهم المسلمون من جهاته ، وشرعوا في النقب عليهم ، وما كان إلا بقدر كلا ولا ، حتى تعرقب البرج ، وانهزم ابن جوسلين ، وأفلت منه في الخفية مع أصحابه ، وأخذ الباقون ، ومحق السيف كل من ظفر به من نصارى الرها ، واستخلص من كان أسر من المسلمين ، ونهب منها الشيء الكثير من المال والأثاث والسبي ، وسرت النفوس بهذا النصر بعد الحزن والإنخزال ، وقويت القلوب بعد الفشل والانخذال ، وانكفأ المسلمون بالغنائم والسبي إلى حلب وسائر الأطراف.
وفي شوال من هذه السنة ، ترددت الرسل والمراسلات بين الأميرين نور الدين محمود ابن عماد الدين أتابك صاحب حلب ، ومعين الدين أنر