ومن ذا الذي ينجو من الدهر سالما |
|
إذا ما أتاه الأمر والله حاتمه |
ومن رام صفوا في الحياة فما يرى |
|
له صفوة عيش والحمام يحاومه |
فإياك لا تغبط مليكا بملكه |
|
ودعه فإن الدهر لا شك قاصمه |
فإن كان ذا عدل وأمن لخائف |
|
فلا شك أن الله بالعدل راحمه |
وقل للذي يبني الحصون لحفظه |
|
رويدك ما تبني فدهرك هادمه (١٥٦ و) |
فكم ملك قد شاد قصرا مزخرفا |
|
وفارق ما قد شاده وهو عادمه |
وأصبح ذاك القصر من بعد بهجة |
|
وقد درست آثاره ومعالمه |
وفي مثل هذا عبرة ومواعظ |
|
بها يتناسى المرء ما هو عازمه |
وهذه صفاته فيما ملكه من البلاد والثغور والمعاقل ، وحازه من الأموال والقلاع والأعمال ، ونفوذ أوامره في سائر الأطراف والأكناف ، ثم أتاه القضاء الذي لا يدافع ، والقدر الذي لا يمانع ، وحين اتصل هذا الخبر اليقين إلى معين الدين ، وعرف صورة الحال ، شرع في التأهب والاستعداد لقصد بعلبك ، وانتهاز الفرصة بآلات الحرب والمنجنيقات ، ونهد إليها ونزل عليها وضايقها ، ونصب الحرب على مستحفظيها ، ولم يمض إلا الأيام القلائل حتى قل الماء فيها قلة ، دعتهم إلى النزول على حكمه ، وكان الوالي بها (١) ذا حزم وعقل ومعرفة بالأمور ، فاشترط ما قام له به من إقطاع وغيره ، وسلم البلدة والقلعة إليه ، ووفى له بما قرر الأمر عليه ، وتسلم ما فيه من غلة وآلة في أيام من جمادى الأولى من السنة ، وراسل معين الدين الوالي بحمص ، وتقررت بينه وبينه مهادنة وموادعة يعودان بصلاح الأحوال وعمارة الأعمال ، ووقعت المراسلة فيما بينه وبين صلاح الدين بحماة ، وتقرر بينهما مثل ذلك ، ثم انكفأ بعد ذلك إلى البلد عقيب فراغه من بعلبك ، وترتيب من رتبه لحفظها والإقامة فيها ، في يوم السبت الثامن عشر من جمادى الآخرة من السنة ، وصادف الخادم يرنقش القاتل لعماد الدين أتابك رحمهالله ، قد فصل
__________________
(١) أيوب بن شادي والد صلاح الدين الأيوبي.