خيالة الأفرنج لحمايتها والذب عنها ، وعاد إلى حلب بالمال والسبي والأسرى والدواب (١).
وفي يوم السبت الثالث عشر من رجب من السنة ، توفي الأخ الأمين أبو عبد الله محمد بن أسد بن علي بن محمد التميمي عن أربع وثمانين سنة ، بعلة الذرب ، ودفن بتربة اقترحها ، خارج باب الصغير من دمشق ، وكان على الطريقة المرضية من حسن الأمانة والتصون والديانة ، ولزوم داره والتنزه عن كل ما يوتغ (٢) الدين ، ويكره بين خيار المسلمين ، غير مكاثر الناس ، ولا معاشر لهم ، ولا متخلط بهم.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية الشمال بأن الأمير عماد الدين أتابك افتتح مدينة الرها بالسيف ، مع ما هي عليه من القوة والحصانة والامتناع على قاصديها ، والحماية على طالبيها من العساكر الجمة ومنازليها ، وإن السبب في ذلك أن الأمير عماد الدين أتابك ، لم يزل لها طالبا ، وفي تملكها راغبا ، ولانتهاز الفرصة فيها مترقبا ، لا يبرح ذكرها جائلا في خلده وسره ، وأمرها ماثلا في خاطره وقلبه ، إلى أن عرف أن جوسلين صاحبها ، قد خرج منها في جل رجاله وأعيان حماته وأبطاله لأمر اقتضاه ، وسبب من الأسباب إلى البعد عنها دعاه ، للأمر المقضي والقدر النازل ، فحين تحقق (١٥١ ظ) ذاك بادر بقصدها ، وسارع إلى النزول في العسكر الدثر عليها لمضايقتها ، والحصر لمن فيها ، وكاتب طوائف التركمان بالاستدعاء لهم للمعونة عليها ، والإسعاد وأداء فريضة الجهاد ، فوصل إليه منهم الخلق الكثير ، والجم الغفير بحيث أحاطوا بها من جميع الجهات ، وحالوا بينها وبين ما يصل إليها من المير والأقوات ، والطائر لا يكاد يقرب منها خوفا على نفسه من صوائب سهام منازليها ، ويقظة المضيقين عليها ، ونصب على أسوارها المناجيق ، ترمي عليها دائما ،
__________________
(١) انظر زبدة الحلب : ٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.
(٢) وتغ : أهلك. النهاية لابن الأثير.