والمحاربة لأهلها مصرا ومواظبا ، وشرع الخراسانيون والحلبيون العارفون بمواضع النقوب ، الماضون فيها ، فنقبوا في عدة مواضع عرفوا أمرها ، وتيقنوا نفعها وضرها ، ولم يزالوا على هذه الحال في الإيغال في النقب ، والتمادي في بطن الأرض إلى أن وصلوا إلى تحت أساس أبراج السور ، فعلقوه بالأخشاب المحكمة ، والآلات المنتخبة ، وفرغوا من ذلك ، ولم يبق غير إطلاق النار فيها ، فاستأذنوا عماد الدين أتابك في ذلك ، فأذن لهم بعد أن دخل في النقب ، وشاهد حاله ، واستعظم كونه وهاله ، فلما أطلقت النار في تعليق النقوب تمكنت من أخشابها وأبادتها ، فوقع السور في الحال ، وهجم المسلمون البلد بعد أن قتل من الجهتين الخلق الكثير على الهدم ، وقتل من الأفرنج والأرمن وجرح ما أوجب هزيمتهم عنه ، وملك البلد بالسيف في يوم السبت السادس وعشرين من جمادى الآخرة منها ، ضحوة النهار (١) ، وشرع في النهب والغنائم والسبي ، ما سرت به النفوس ، وابتهجت بكثرته القلوب ، وشرع عماد الدين أتابك بعد أن أمر برفع السيف والنهب في عمارة ما انهدم ، وترميم ما تشعث ، ورتب من رآه لتدبير أمرها (٢) وحفظها ، والاجتهاد في مصالحها ، وطيب بنفوس أهلها ، ووعدهم بإجمال السيرة فيهم ، وبسط المعدلة في أقاصيهم وأدانيهم ، ورحل عنها وقصد سروج ، وقد هرب الأفرنج منها ، فملكها وجعل لا يمر بعمل من أعمالها ، ولا معقل من معاقلها ، فينزل عليه إلا سلم إليه في الحال (١٥٢ و).
وتوجه إلى حصن البيرة من تلك الأعمال ، وهو غاية في الامتناع على طالبه ، والصعوبة على قاصده ، فنزل عليه وشرع في محاربته ومضايقته ،
__________________
(١) في ترجمة زنكي في بغية الطلب لابن العديم مواد جيدة عن سقوط الرها ، وقد نشرتها في موسوعتنا هذه ج ١٦ ص ٣٧٨ ـ ٣٩١. إنما على أهمية المواد في المصادر العربية يبقى ما ذكره المؤرخ السرياني المجهول أكثر تفصيلا وأعظم أهمية ، لأنه كان من أهل الرها وشاهد عيان لما حصل. أنظر هذه في الجزء الخامس من موسوعتنا هذه.
(٢) عين زين الدين علي كوجك صاحب إربيل وشهرزور حاكما على الرها ، هذا ما ذكره المؤرخ السرياني المجهول.