ونزل بعذراء يوم الأربعاء لست بقين من شوال ، فأحرق عدة ضياع من المرج والغوطة إلى حرستا التين ، ورحل يوم السبت تاليه متشاملا ، حين تحقق نزول الأفرنج بالميدان في جموعهم ، وكان الشرط مع الأفرنج أن يكون في جملة المبذول لهم انتزاع ثغر بانياس من يد إبراهيم بن طرغت ، وتسليمها إليهم فاتفق أن إبراهيم بن طرغت واليه ، كان قد نهض في أصحابه إلى ناحية صور ، للإغارة عليها ، فصادفه ريمند صاحب أنطاكية في قصده واصلا إلى إسعاد الأفرنج على إنجاد أهل دمشق ، فالتقيا فكسره ، وقتل في الوقعة ومعه نفر يسير من أصحابه ، وعاد من بقي منهم إلى بانياس ، فتحصنوا بها ، وجمعوا إليها رجال وادي التيم ، وغيرهم ، ومن أمكن جمعه من الرجال ، للذب عنها والمراماة دونها ، فنهض إليها الأمير معين الدين في عسكر دمشق ، ونزل عليها ، ولم يزل محاربا بالمنجنيقات ، ومضايقا لها بأنواع المحارب ، ومعه فريق وافر من عسكر الأفرنج عامة شوال.
وورد الخبر بأن الأمير عماد الدين أتابك قد نزل على بعلبك ، وأنفذ يستدعي التركمان من مظانهم ، في شوال لقصد بانياس ، ودفع المنازلين لها عنها ، ولم تزل الحالة جارية على هذه القضية إلى آخر ذي الحجة من السنة.
ووردت الأخبار من ناحية مصر ، بأن الأفضل بن ولخشي ، لما فصل عن صرخد ، ووصل إلى ظاهر مصر ، أن الأتراك الذين انضموا إليه ، عملوا عليه وغدروا به ، وانتهبوا ما كان معه من كراع وسواد ، فحين وجدوا منه الغرة والغفلة لم يبقوا على أي شيء مما صحبه ، وتفرقت عنه أصحابه ورجاله ، وبقي فريدا ، فحصل في أيدي الحافظية أسيرا ، ووصل به من يحفظه ويحتاط عليه ، وهذا الأفضل المقدم موصوف بالشجاعة والفروسية وعلو الهمة ومضاء العزمة والبسالة ، وحسن السياسة ، وذكاء الحس ، ولكن المقادير لا تغالب ، والأقضية لا تدافع ، والله يفعل ما يشاء ويختار.