واجتمع رأي المقدمين وأصحاب الأمر من بعده ، على سد ثلمة فقده ، بنصب ولده الأمير عضل الدولة أبي سعيد آبق بن جمال الدين محمد في مكانه ، وأخذت له بذلك العهود المؤكدة بالأيمان المشددة ، على الإخلاص في الطاعة ، والصدق في الخدمة والمناصحة ، فاستقام الأمر ، وصلح التدبير ، وزال الخلف ، وسكنت الأمور بعد اضطرابها ، وقرت النفوس بعد استيحاشها ، وحين عرف عماد الدين أتابك هذه القضية ، زحف في عسكره إلى البلد طامعا في خلف يجري بين المقدمين بوفاته ، فينال به بعض طلباته ، فكان الأمر بالضد مما أمل ، والحال بالعكس فيما ظن ، ولم يصادف من أجناد دمشق وأحداثها إلا الثبات على القراع ، والصبر على المناوشة والمصاع (١) ، فعاد منكفئا إلى عسكره ، وقد ضعفت نفسه ، وضاق لهذا الأمر صدره ، وقد كان تقرر الأمر مع الأفرنج على الاتفاق والاعتضاد والمؤازرة والإسعاد والامتزاج في دفعه ، والاختلاط في صده عن مراده ومنعه ، ووقعت المعاهدة على ذلك بالأيمان المؤكدة ، والضمان للوفاء بما بذلوه ، والتمسوا على ذلك مالا معينا ، يحمل إليهم ليكون عونا لهم على ما يحاولونه ، وقوة ورهانا تسكن بها نفوسهم وأجيبوا إلى ذلك ، وحمل إليهم المال والرهائن من أقارب المقدمين ، وشرعوا في التأهب للإنجاد ، والاستعداد للمؤازرة والإسعاد ، وكاتب بعضهم بعضا بالبعث على الاجتماع من سائر المعاقل والبلاد ، على إبعاد أتابك ، وصده عن نيل الأرب من دمشق والمراد ، قبل استفحال أمره ، وإعضال خطبه ، وقوة شوكته ، واستظهاره على عصب الأفرنج وقصد بلادهم.
فحين تيقن صورة الحال في هذا العزم (١٤٨ ظ) وتجمعهم لقصده مع عسكر دمشق ، رحل عن منزله بداريا في يوم الأحد الخامس من شهر رمضان ، طالبا ناحية حوران ، للقاء الأفرنج إن قربوا منه ، وطلبهم إن بعدوا عنه ، وأقام على هذا الاعتزام مدة ثم عاد إلى ناحية غوطة دمشق ،
__________________
(١) المصاع : الجلاد والضراب. النهاية لابن الأثير.