الدين رحمهالله ، قلقت وانزعجت وحزنت عليه ، وأسفت وأكبرت هذا الأمر ، وحدوث مثله ، على ولدها ، وراسلت الأمير عماد الدين أتابك ، وهو بناحية الموصل ، معلمة له بصورة الحال ، وباعثة لهمته على النهوض لطلب الثأر ، من غير تلوم ولا إغفال ، فحين وقف على الخبر ، امتعض له ، أشد الامتعاض ولم يكن باستمرار مثله بالراضي ، وصرف الاهتمام إلى التأهب لما حرضته عليه ، وأشارت إليه ، والاستعداد له ، والاحتشاد لقصده وثنى أعنة (١٤٧ و) الاعتزام إلى ناحية الشام ، مجدا في قصد دمشق لبلوغ كل مطلب ينحوه ، ومرام ، وتناصرت الأخبار بهذه العزيمة إلى دمشق ، فوقع الاحتياط ، والتحرز من جانبه والاستعداد ، ثم تلا ذلك ورود الخبر بنزوله على بعلبك في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة من السنة ، في عسكر كثيف ، وجم غفير ، وقد كانت قبل نزوله عليها قد شحنت بالرجال المقاتلة ، والعدد الكاملة ، ورد أمر الولاية فيها إلى معين الدين أنر ، وقد تمكنت حالته ، وارتفعت رتبته ، ونفذت أوامره في الدولة ، وأمثلته ، فنصب عليها عدة من المناجيق ، وواصل المحاربة لأهلها وبالغ في المضايقة لها ، وقيل إن عدة المنجنيقات المنصوبة عليها أربعة عشر منجنيقا ، يرمي عليها بالنوبة ليلا ونهارا ، بحيث أشرف من بها على الهلاك ، ولم تزل هذه حالها إلى أن ورد الخبر بافتتاحها بالأمان ، لشدة ما نزل بأهلها من البلاء والمضايقة والنقوب ، وبقيت القلة (١) وفيها جماعة من شجعان الأتراك المندوبين لحمايتها ، والذب عنها ، فلما أيسوا من معين يأتيهم من المعين ، ووصول من ينقذهم من البلاء المحيط ، سلموها إلى عماد الدين أتابك ، بعد أخذ أمانه ، والتوثق منه ، فلما حصلت في ملكته ، نكث عهده ، ونقض أمانه لحنق أسره ، وغيظ على من كان فيها أكنه ، فأمر بصلبهم ، ولم يفلت منهم إلا من حماه أجله ، فاستبشع الناس ذلك من فعله ، واستبدعوه من نكثه.
__________________
(١) أعلى مكان بالقلعة ، أو القلعة ذاتها.