وعلى مضي ست ساعات من (١٤٦ ظ) نهار يوم الأربعاء ، الحادي والعشرين من شوال ، جاءت رجفة هائلة ، ارتاعت لها القلوب ، ورجفت بها الصدور.
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شوال من السنة في غداته ، ظهرت الحادثة المدبرة على الأمير شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بن ظهير الدين أتابك ، وقتله في فراشه ، وهو في نومه في ليلة الجمعة المذكورة ، بيد غلمانه الملاعين : البغش الأرمني الذي اصطنعه وقربه إليه واعتمد في أشغاله عليه ، ويوسف الخادم الذي وثق به في نومه لديه ، والخركاوي الفراش الراقد حواليه ، ووقوع الزحف عند اشتهار هذا الخبر إلى كاتبه النفيس أبي طالب عقيل بن حيدرة ، مستوفي ديوان المعاملات ، وقتله في الطريق ، عند أخذه من الدار التي لجأ إليها واختفى عند هروبه فيها ، وكان هؤلاء الثلاثة النفر الجناة الملاعين يبيتون حول سريره ، فلما قرر معهم هذا الأمر ، رقدوا في أماكنهم على جاري عادتهم ، فلما انتصف الليل وتحققوا نومه ، وثبوا عليه ، فقتلوه في فراشه على سريره ، وصاح فراش آخر كان معهم ، فقتلوه أيضا ، ودبروا أمرهم بينهم ، وأخفوا سرهم ، بحيث خرجوا من القلعة ، وظهر الأمر ، وطلب البغش لعنه الله ، فهرب ونهب بيته ومسك الآخران (١) ، فصلبا على سور باب الجابية.
وكتب إلى الأمير جمال الدين محمد بن تاج الملوك أخيه ، صاحب بعلبك ، بصورة الحال ، فبادر بالوصول إلى دمشق في أسرع وقت ، وأقرب أوان ، فجلس في منصبه ، وعقد الأمر له واستحلف الأمراء والمقدمين والأعيان على الطاعة والمناصحة في خدمته ، فتقررت الحال ، وسكنت الدهماء ، وظهرت الكائنة ، وانكشفت الغماء.
وحين انتهى (الخبر) (٢) إلى الخاتون صفوة الملك والدة الأمير شهاب
__________________
(١) ذكر سبط ابن الجوزي اسميهما فقال : يوسف البواب الخادم وعنبر الفراش ويعرف بالخركاوي. مرآة الزمان : ١ / ١٧١.
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين من مرآة الزمان : ١ / ١٧٢.