ووردت الأخبار من ناحية العراق بأن الإمام الراشد بالله أمير المؤمنين. كان قد فصل عن الموصل ، وتوجه إلى ناحية الجبل ، فقضى الله تعالى للقدر النازل ، والحكم النافذ استشهاده على باب أصفهان ، بأمر قرر له ، وعمل عمل عليه ، فصار إلى رحمة ربه سعيدا مأجورا شهيدا ، في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر رمضان من السنة ، فكانت خلافته إلى أن استشهد سنتين وعشرة أشهر (١).
وفي هذه السنة ورد الخبر بوفاة الأمير طغان (أرسلان) (٢) بن حسام الدولة ببدليس ، وانتصب في مكانه ولده الأمير قرتي بن طغان أرسلان ، واستقام له الأمر ، وحكي عنه حكايات في الظلم والتعجرف والتجبر والجور ، تنكرها النفوس ، وتنفر من سماعها القلوب.
سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
(١٤٦ و) أول هذه السنة يوم الجمعة بالرؤيا ، مستهل المحرم ، وفيه اجتمع الأمير عماد الدين أتابك بالخاتون صفوة الملك والدة الأمير شهاب الدين ، بظاهر حمص ، وقد اجتمع عنده جماعة وافرة من رسل الخليفة والسلطان ومصر والروم ودمشق وغير ذلك.
__________________
(١) في مرآة الزمان : ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨ رواية هامة حول الراشد جاء فيها : وفيها [٥٣٢ ه] توفي منصور الراشد في أصبهان ، توفي سابع عشرين رمضان ، واختلفوا في سبب وفاته على أقوال : أحدها أنه سقي السم ثلاث مرات ، والثاني أنه قتله قوم من الفراشين الذين كانوا في خدمته ، والثالث أنه قتله قوم من الباطنية ، وقتلوا بعده ، وكان قد داس بلادهم وأخربها ، وبعثهم إليه سنجر ومسعود ، فجاءوا فقتلوه كما قتلوا أباه.
وذكر العماد الكاتب في الخريدة ما يدل على هذا ، فإنه قال : تنقل الراشد في البلاد ، وديار بكر وأذربيجان ومازندران ، وعاد إلى أصبهان فأقام مع السلطان داود بن محمود ، والبلد محاصر ، وهناك قحط عظيم ، وضر عميم.
قال العماد : أذكر ونحن أطفال وقد خرجنا من البلد يعني أصبهان ، وأقمنا بالربط عند المصلى ، والعسكر قريب منا فسمعنا أصواتا هائلة وقت القائلة من يوم الثلاثاء سادس عشرين رمضان من هذه السنة ، فقلنا : ما الخبر؟ فقالوا : الخليفة قد فتكت به الملاحدة لعنهم الله ، وخرج أهل أصبهان حفاة حاسرين ، وشيعوا جنازته إلى مدينة جي ، ولطموا وبكوا ودفنوه بالجامع».
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين من الكامل لابن الأثير : ٨ / ٣٦٣.