فرحل عنها في العشرين من شوال من السنة ونزل على الحصن المعروف ببعرين لينتزعه من أيدي الأفرنج ، فلما عرفوا ذاك تجمعوا ونزلوا قريبا لحمايته ومعونة من فيه منهم ، فحين عرف عماد الدين خبرها كمن لهم كمينا ، والتقى الجمعان ، فانهزم فريق من الأتراك بين أيدي الأفرنج (١) ، وقتلوا منهم جماعة وافرة عند عودهم إلى منزل مخيمهم ، وظهر عليهم عماد الدين في من كمن لهم من الكمناء ، وأوقع بالرجالة ، وملك الأثقال والسواد ، وحين قربوا من المخيم وشاهدوا ما نزل عليهم ، وحل بهم انخذلوا وفشلوا ، وحمل عليهم عسكر عماد الدين ، فكسرهم ومحقهم قتلا وأسرا ، وحصل لهم من الغنائم الشيء الكثير من الكراع ، والسواد ، والأثاث وعاد عماد الدين إلى حصن بعرين ، وقد انهزم إليه ملكهم كند اياجور (٢) ومن نجا معه من مقدمي الأفرنج ، وهم على غاية من الضعف والخوف ، فنزل عليهم وحصرهم في الحصن المذكور ، ولم يزالوا على هذه الحال في المضايقة والمحاربة إلى أن نفد ما عندهم من القوت ، فأكلوا خيلهم ، وتجمع من بقي من الأفرنج في بلادهم ومعاقلهم وانضموا إلى ابن جوسلين ، وصاحب أنطاكية واحتشدوا ، وساروا طالبين نصرة المخذولين المحصورين في حصن بعرين ، وتخليصهم مما هم فيه من الشدة والخوف والهلاك ، فحين قربوا من عسكر أتابك ، وصح الخبر عنده بذاك ، اقتضت الحال أن أمنهم وعاهدهم على ما اقترحه عليهم من طاعته ، وقرر عليهم خمسين ألف دينار يحملونها إليه ، وأطلقهم وتسلم الحصن منهم ، وعاد من كان اجتمع لنصرتهم (٣).
وفي شهر رمضان منها ورد الخبر بأن الإمام (١٤٢ ظ) الخليفة الراشد بالله أمير المؤمنين ابن المسترشد بالله ، كان قد فصل عن الموصل
__________________
(١) مع وضوح المعنى يبدو أن هناك سقط بالسياق.
(٢) فولك أوف أنجوFulk of Anjou.
(٣) انظر الكامل لابن الأثير : ٨ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨. وليم الصوري : ٥٨ ـ ٩١.