وفي المحرم من هذه السنة ، في الثالث عشر منه أرسل الله تعالى من الغيث ما طبق الأعمال الدمشقية ، بحيث سالت به الأودية والشعاب ، وزاد المد في الأنهار بحيث اختلطت ، وانكسر نهر يزيد ، ونهر بانياس والقنوات ، والتقت المياه ، وبطلت الأرحية ، ودخل الماء إلى بعض بيوت العقيبة ، وذكر جماعة من الشيوخ المعمرين أنهم لم يشاهدوا في مثل هذا الوقت مثل ذلك.
وفي شعبان من هذه السنة ، وردت الأخبار من ناحية العراق ، بأن السلطان مسعود بن محمد (١) بن ملك شاه حصر بغداد ، وضايق الإمام الخليفة الراشد بالله بن الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين ، ومعه السلطان داود ابن أخيه ، والأمير عماد الدين أتابك زنكي بن آق سنقر ، واقتضى التدبير حين لم ينل منها غرض ، ولم يظفر بمراد ، ولابد من اللقاء والمحاربة ، العود عنها ، فعاد السلطان داود إلى بلاده ، وعماد الدين أتابك إلى الموصل ، وأقام السلطان مسعود على رسمه في بغداد ، وحين رأى الإمام الراشد بالله إقامة السلطان على الاستيحاش منه ، زادت وحشته ، وعلم أنه لا طاقة له بالمقام معه ، وخاف على نفسه ، فتبع عماد الدين إلى الموصل ، ونزل بظاهرها وخيم به ، كالمستجير والعائذ به ، وحين خلت بغداد من الخليفة وتدبيره ، تمكن من كل ما يريد فعله ويروم قصده ، فأقام في منصب الخلافة أبا عبد الله محمد أخا المسترشد بالله ، ولقبه المقتفي لأمر الله ، وعمره أربعون سنة ، وأخذ البيعة له على جاري الرسم ، وخطب له على المنابر في بلاده فقط ، في ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة ، وبقي الأمر واقفا إلى أن تقرر الصلح بين السلطان مسعود ، وبين عماد الدين أتابك في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ، فخطب له وللسلطان في الموصل ، وسائر الأعمال ، وسيأتي ذكر ذلك مشروحا في موضعه.
__________________
(١) في الأصل : ابن السلطان محمود بن محمد ، ومحمود زيادة حذفت ، وقد سبق وقوع مثل هذا.