وفي يوم السبت الثالث عشر من شعبان سنة ثلاثين وخمسمائة وردت الأخبار من ناحية الشمال ، بنهوض الأمير مسعود سوار من حلب ، فيمن انضم إليه من التركمان إلى الأعمال الأفرنجية فاستولوا على أكثرها ، وامتلأت أيديهم بما حازوه من غنائمها ، وتناصرت الأخبار بهذا الظفر من جميع الجهات ، والاستكثار لذلك ، والتعظيم له ، ولقد ورد كتاب من شيزر يتضمن البشرى بهذه النوبة ، ويشرحها على جليتها ، فأثبت مضمونه في هذا الموضع ، تأكيدا للخبر ، وتصديقا لما وصف وذكر ، وهو :
إن المتجدد عندنا بهذه الناحية ، ما يجب علينا من حيث الدين أن نذيعه ، ونبشر به كافة المسلمين ، فإن التركمان ـ كثرهم الله ، ونصرهم ـ اجتمعوا في ثلاثة آلاف فارس جريدة معدة ، ونهضوا إلى بلاد اللاذقية وأعمالها بغتة بعد اليأس منهم ، وقلة الاحتراز من غارتهم ، وعادوا من هذه الغزاة إلى شيزر يوم الأربعاء حادي عشر رجب ، ومعهم زيادة عن سبعة آلاف أسير ، ما بين رجل وامرأة وصبي وصبية ، ومائة ألف رأس دواب ، ما بين بقر وغنم وحمر ، والذي حازوه واجتاحوه يزيد عن مائة قرية كبار وصغار ، وهم متواصلون ، بحيث قد امتلأت الشام من الأسارى والدواب ، وهذه نكبة ما مني الأفرنج الشماليون بمثلها ، وبعد هذا ما يبع منهم أسير إلا بثمنه ، ولا نقص السعر الأول ، وهم سائرون بهم إلى حلب ، وديار بكر والجزيرة.
وفي آخر نهار يوم الأربعاء الرابع وعشرين من أيار ، طلع على دمشق سحاب أسود أظلمت الدنيا له ، وصار الجو كالليل ، ثم طلع بعد ذلك سحاب أحمر أضاءت الدنيا منه ، وصار الناظر إليه يظن أنه نار موقدة ، وكان (١٠٤ ظ) قد هب قبل ذلك ريح عاصف شديدة آذت كثيرا من الشجر ، وقيل إنه في هذا الوقت والساعة جاء في حوران برد كبار ومطر شديد بحيث جرت منهما الأودية ، وجاء في الليلة مطر عظيم ، زاد منه بردى زيادة لم ير مثلها عظما.