الأمراء ، والمقدمين ، وهم منهم أكثر عددا وأتم عددا ، طلبا للإيقاع بهم ، وتخليص الجشار من أيديهم ، فما أغنوا فتيلا ولا أعادوا مما أخذوا كثيرا ولا قليلا ، ورحلوا به إلى صوب بعلبك ، فخرج إليهم الأمير شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحبها ، ووقعت الموافقة والمعاهدة بينهم ، على إقامته والدخول في طاعته ، والمناصحة في خدمته ، واجتمع إليه خلق كثير من التركمان ، فأخافوا السبيل ، وشرعوا في العيث والفساد ، واقتضت الحال مراسلتهم بالملاطفة ، ودعاهم إلى الطاعة ، وترك المخالفة ، وتطييب نفوسهم ، وبعثهم على العود إلى ما كانوا عليه ، والإجابة إلى ما اقترحوا وأشاروا إليه واستقرت الحال على مرادهم ، وأخذت الأيمان المؤكدة عليهم ولهم بالوفاء ، واستعمال الإخلاص والصفاء ، وأذن لهم في العود ، فعادوا إلى البلد ، وخيم بزواج وجماعته بجسر الخشب ، وامتنع من الدخول إلى داره لما رآه وجال في نفسه ، واتفق الرأي على خروج شهاب الدين في العسكر إلى ناحية حوران على الرسم في ذلك ، والاجتماع هناك ، وتقرير ما يجب تقريره من الأحوال ، وابعث على تحصيل الغلال ، واتفق الرأي في أوائل شعبان على تقديم بزواج على سائر الأجناد والغلمان ، ورد إليه الاسفهسلارية ، وخوطب بالأتابكية ، ولقب بجمال الدين مضافا إلى ألقابه ، فاستقام له الأمر ، ونفذ في النفع والضر.
وفي العشر الأول من رجب من السنة ، خرج أمين الدولة كمشتكين الأتابكي والي صرخد من دمشق ، مظهرا قصد الصيد (١٤٠ ظ) والإشراف على ضياعه لأجل الجراد الظاهر بها ، في خواصه وثقله ، وفي النفس ضد ذاك ، فلما توارى عن البلد ، أغذ السير قاصدا سمت صرخد ، ومفارقا لما كان فيه ، خوفا على نفسه من الغلمان ، بحيث حصل بها ، وسكنت نفسه من الخوف فيها ، ثم روسل بالاستعطاف والتلطف في العود إلى داره ومنزلته ، والانكفاء إلى رتبته ، فأبى واحتج بأسباب ذكرها ، وأحوال شرحها ، ونشرها ، فوقع السلو عنه ، واليأس منه.