وهلك من وقته ، وكانت الكائنة في غده فبالغ الكافة في حمد الله تعالى ، وشكره على هذه الآية الباهرة ، والقدرة الظاهرة ، وواصلوا تسبيحه وتقديسه وتمجيده ، فسبحان مالك الأمر ومدبر الخلق ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وفي الوقت نودي بشعار أخيه الأمير شهاب الدين محمود بن تاج الملوك ابن أتابك ، وجلس في منصبه ، بمحضر من والدته خاتون صفوة الملك ، وحضر الأمراء وأماثل الأجناد ، وأعيان الرعية ، فسلموا عليه بالإمرة ، واستحلفوا على الطاعة (١٣٦ و) له ولوالدته ، والمناصحة في خدمتهما ، والنصرة لأوليائهما ، والمجاهدة في أعدائهما ، وحلف كل منهم بانشراح من صدره ، وانفساح من أمله ، وظهر من سرور الكافة خاصيها وعاميها ، بهذه النوبة السعيدة ، والأفعال الحميدة ، ما يزيد على الوصف ، وأيقنوا بالخلاص من المكروه الذي أشرفوا عليه ، واستقامت الأحوال ، وتحققت الآمال.
وتتابعت المكاتبات في أثناء ذلك ، من سائر الجهات ، بوصول عماد الدين ، في عسكره ، وقطعه الفرات مجدا لتسلم دمشق ، من شمس الملوك صاحبها ، ووصلت رسله لتقرير الأمر ، فصادفوا الحال بالضد ، والتدبير بالعكس ، إلا أنهم أكرموا وبجلوا ، وأحسن إليهم ، وأعيدوا بأجمل جواب ، وألطف خطاب ، وأعلم عماد الدين جلية الحال ، واتفاق الكلمة في حفظ الدولة والذب عن الحوزة ، والبعث على إجمال الرعاية ، والعود على أحسن نية.
فلما انتهى إليه الجواب ، ووقف عليه ، لم يحفل به ، ولا أصاخ إلى استماعه ، فأوهمته نفسه بالطمع في ملكة دمشق ، ظنا منه بأن الخلف يقع بين الأمراء والمقدمين من الغلمان ، فكان الأمر بخلاف ما ظن ، وواصل الرحيل واغذاذ السير إلى أن وصل إلى ظاهر دمشق ، وخيم بأرض عذراء إلى أرض القصير ، في عسكر كثيف الجمع ، عظيم السواد ، في أوائل جمادى الأولى من سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وقد كان التأهب له مستعملا عند