الحديث فيما بينهم سرا ، وأنهوا الحال فيه إلى والدته الخاتون صفوة الملك ، فقلقت لذاك ، وامتعضت منه ، واستدعته وأنكرته واستبشعته ، وحملها فعل الجميل ، ودينها القويم وعقلها الرصين على النظر في هذا الأمر ، بما يحسم داءه ، ويعود بصلاح دمشق ومن حوته ، وتأملت الأمر في ذلك تأمل الحازم الأريب ، والمرتأي (١٣٥ ظ) المصيب ، فلم تجد لدائه دواء ، ولا لنفسه شفاء إلا بالراحة منه ، وحسم أسباب الفساد المتزايد عنه ، وأشار عليها وجوه الغلمان وأكابرهم بذاك واستصوبوا رأيها فيه ، وبعثوها على العاجلة له ، قبل ظهور الشر ، وفوات الأمر ، وأنه لا ينفع فيه أمر ، ولا ينجع معه وعظ ، فصرفت الهمة إلى مناجزته ، وارتقبت الفرصة في خلوته إلى أن تسهل الأمر المطلوب ، عند خلوته من غلمانه ، وسلاحيته ، فأمرت غلمانها بقتله ، وترك الإمهال له ، غير راحمة له ، ولا متألمة لفقده ، لما عرف من قبيح فعله ، وفساد عقله ، وسوء سيرته ، ومذموم طريقته ، وأوعزت بإخراجه حين قتل ، وإلقائه في موضع من الدار ، ليشاهده غلمانه وأصحابه ، وكل سر بمصرعه ، وابتهج بالراحة منه ، وبالغ في شكر الله تعالى على ما سهله فيه ، وأكثر الدعاء لها ، والثناء عليها ، وذلك ضحى نهار يوم الأربعاء الرابع عشر من ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وقد كان مولده ليلة الخميس السابع بالعدد من جمادى الآخرة سنة ست وخمسمائة في الساعة الثانية منها ، والطالع برج السرطان أو المشتري فيه كمح مح والمريخ في السنبلة ، والزهرة في الخامس ، والعقرب والشمس في السادس من القوس ، والقمر وزحل في التاسع ، وسهم السعادة في العاشر.
وقد كان المعروف ببدران الكافر ، لعنه الله في يوم الثلاثاء المتقدم ليوم الأربعاء ، الذي قتل فيه ، قد راح من بين يديه بعد أن أسر إليه بشر يعمل عليه ، فلما حصل في بيته وقت الظهر من يومه المذكور ، أرسل الله تعالى ذكره ، عليه آفة عظيمة ، أخذت بأنفاسه وربا لسانه حتى ملأ فاه ،