الأحوال ، واستقامت أمور الأعمال ، بعد الاضطراب والاختلال ، وورد كتاب الحافظ لدين الله إلى شمس الملوك بهذه الحال ، في أواخر ذي الحجة من السنة ، بما تجدد عنده من هذه النعمة (١).
وفي ذي القعدة من السنة انتهت الأخبار إلى شمس الملوك ، من ناحية الأفرنج باعتزامهم على نقض المستقر من الهدنة ، وقبيح الموادعة المستمرة ، وتأهبهم للجمع والاحتشاد ، وقصد الأعمال الدمشقية بالعيث والفساد ، فحين عرف شمس الملوك هذه الحال ، شرع في جمع الرجال ، واستدعى التركمان من جميع الأعمال ، واتصل به نهوض الأفرنج إلى ناحية حوران فبرز في (١٣٣ ظ) العسكر ، وتوجه إليهم ، وخيم بإزائهم ، وشرعوا في إخراب أمهات الضياع الحورانية ، ووقع التطارد بين الفريقين ، وكان الأفرنج في جمع كثيف من الخيل والرجل ، بحيث حصروهم في منزلهم ، لا يخرج منهم فارس ولا راجل ، إلا رشقته السهام ، واختطفه الحمام ، وأقامت المناوشة بين الفريقين عدة أيام ، ثم أغفلهم شمس الملوك ، ونهض في فريق وافر من العسكر ، وهم لا يشعرون ، وقصد بلادهم : عكا والناصرة وما جاورهما ، وطبرية وما والاها ، فظفر بما لا يحصى كثرة من المواشي والعوامل ، والنسوان والصبيان والرجال ، وقتل من صادفه وسبى من ظهر له ، وأحرق ما وجده ، وامتلأت أيدي التركمان من غنائمهم ، واتصل الخبر بالأفرنج ، فانخذلوا وقلقوا وانزعجوا ، وأجفلوا في الحال من منزلهم طالبين أعمالهم ، وعرف شمس الملوك ذاك ، فانكفأ إلى مخيمه على طريق الشعراء سالما في نفسه وجملته ، ظافرا غانما ووصل الأفرنج إلى أعمالهم ، فشاهدوا ما حل بها ونزل بأهلها من البلاء ، فساءهم ذاك وفت في أعضادهم وانفلت شكتهم ، وانقضت شوكتهم ، وتفرق شملهم ، وذلوا وطلبوا تقرير الصلح بينهم ، وعاد شمس الملوك إلى دمشق مسرورا في آخر ذي الحجة من السنة.
__________________
(١) انظر اتعاظ الحنفا : ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٥.