والغلال ما بعثهم على المبادرة إلى إجابة ندائه ، والسرعة إلى دعائه ، ووصل إليه من طوائفهم المختلفة الأجناس ، كل ذي بسالة ، وشدة مراس ، راغبين في أداء فريضة الجهاد ، ومسارعين إلى الكفرة الأضداد ، وأطلق ما يحتاجون إليه لقوتهم ، وقضيم خيولهم.
ورحل الملاعين عن بانياس طالبين دمشق ، على أناة وترتيب ، ونزلوا على جسر الخشب والميدان المعروف المجاور له في (١) .... من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، وخيموا هناك وأصبح العسكر ، خرج من دمشق وانضم إليه التركمان من منازلهم حول البلد ، والأمير مرى بن ربيعة في العرب الواصلين معه ، وتفرقوا كراديس في عدة جهات ، ووقفوا بإزائهم لتخرج منهم فرقة فيسارعوا إليها ، ويزحفوا فيبادروا إلى لقائهم ، فلم يخرج منهم فارس ، ولا ظهر راجل ، بل ضموا أطرافهم ، ولزموا مخيمهم وأقام الناس على هذه الصورة أياما (١٢٣ ظ) يتوقعون زحفهم إلى البلد ، فلا يشاهد منهم إلا تجمعهم وإطافتهم حول مخيمهم ، وبريق بيضهم وسلاحهم ، وكشف خبرهم وما الذي أوجب تأخرهم عن الزحف وتلومهم ، فقيل إنهم قد جردوا أبطال خيلهم وشجعان رجالهم للمصير مع البغال إلى حوران ، لجمع المير والغلال ، التي يستعان بمثلها على الإقامة والنزال ، وأنهم لا حركة لهم ، ولا قوة بهم ، إلى عودة المذكورين.
فلما عرف تاج الملوك هذه الحال ، بادر بتجريد الأبطال من الأتراك الدمشقيين ، والتركمان الواصلين ، والعرب القادمين مع الأمير مرى ، وأضاف إليهم الأمير سيف الدولة سوار في عسكر حماة ، وقرر معهم نهوضهم آخر يومهم ، والجد في السير عامة الليل ، ووصلوهم عند
__________________
(١) فراغ بالأصل ، ويبدو أن ذلك حصل في أواخر ذي القعدة حيث جاء في الكامل لابن الأثير : ٨ / ٣٢٩ : «ووصل الفرنج في ذي الحجة فنازلوا البلد ، وأرسلوا إلى أعمال دمشق لجمع الميرة والإغارة على البلاد».