العزم ، صافي الحس ، كريم النفس ، فكثر الأسف عليه ، والتوجع لفقده ، واستوزر بعده نقيب النقباء شرف الدين أبو القاسم علي بن طراد الزينبي ، في جمادى الأولى منها ، وهو من جلالة القدر ، وشرف الأصل ، ونباهة الذكر ، والمنزلة المشهورة ، والرتبة المعروفة ، والمكان المشتهر.
وفي جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، توفيت الخاتون ، شرف النساء ، والدة تاج الملوك رضياللهعنها (١٢٣ و) وقبرت في قبتها المبنية برسمها ، خارج باب الفراديس.
سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
قد مضى ذكر نوبة الباطنية وغيرهم ، لما اقتضى سوق الكلام فيه في سنة اثنتين وثلاث ، ولما انتهى إلى الأفرنج خبر الكائنة في الباطنية ، وانتقال بانياس عنهم ، إليهم ، أحدث ذلك لهم طمعا في دمشق وأعمالها ، وأكثروا الحديث في قصدها ، وبثوا رسلهم إلى الأعمال في جمع الرجال والاحتشاد ، فاجتمع إليهم سائر من حوته بلادهم ، من : الرها ، وأنطاكية ، وطرابلس ، والساحل ، ووصلهم في البحر ملك كند ، هو الذي (١) قام مقام بغدوين الهالك في الأفرنج ، ومعه خلق كثير ، فاجتمعوا ونزلوا على بانياس ، وخيموا عليها ، وشرعوا في تحصيل المير والأزواد للإقامة ، وتواترت الحكايات عنهم ، ممن شاهدهم وأحصى عددهم ، أنهم يزيدون على ستين ألفا فارسا وراجلا ، وأكثرهم الرجالة.
فلما عرف تاج الملوك ذلك من عزمهم ، تأهب لهذا الأمر وصرف همه إلى الاستكثار من العدد والسلاح ، وآلة الحرب ، وما يحتاج إليه من الآلات التي يحتاج إليها لتذليل كل صعب ، وكاتب أمراء التركمان على أيدي رسله المندوبين إليهم بالاستنجاد والاستغاثة بهم ، وبذل من المال
__________________
(١) هو فولك صاحب أنجو ، زوج ميليسند أكبر بنات بلدوين الثاني. انظر تاريج وليم الصوري : ٢ / ٤٧ ـ ٥١.