الصباح إلى ناحية براق (١) ، لأن تقدير وصول الملاعين عند عودهم من حوران إلى ذلك المكان ، فسارعوا إلى العمل بما مثل لهم ، وأصبحوا في ذلك المكان ، وهم على غاية من الكثرة والمنعة ، ومعهم سواد عسكرهم بأسره ، في عدد لا يحصى كثرة ، فهجموا عليهم فلم يتكامل ركوبهم إلا وقد قتل منهم جماعة بالنشاب ، وضربوا مصافا ، ووقفوا قطعة واحدة ، وحمل عليهم المسلمون ، فثبتوا ، ولم يزل عسكر الإسلام يكر عليهم ويفتك بهم ، إلى أن فشلوا وانخذلوا ، وأيقنوا بالبوار ، وحلول الدمار ، وولى كليام (٢) دبور مقدمهم وشجاعهم في فريق من الخيالة منهزمين ، وحمل الأتراك والعرب حملة هائلة ، وأحدقوا بهم ضربا بالسيوف ، وطعنا بالرماح ورشقا بالسهام ، فما كان إلا بعض النهار ، حتى صاروا على وجه الأرض مصرعين ، وبين أرجل الخيل معفرين ، وغنموا منهم الغنيمة التي امتلأت أيديهم بها ، من : الكراع ، والسلاح ، والأسرى ، والغلمان ، وأنواع البغال ، وهو شيء لا يحصر فيذكر ، ولا يحد فيعد ، ولم يسلم منهم إلى معسكرهم إلا القليل من الخيالة ، الذين نجت بهم سوابقهم المضمرة ، وعاد الأتراك والعرب إلى دمشق ظافرين غانمين منصورين مسرورين ، آخر نهار ذلك اليوم المذكور ، فابتهج الناس بهذا اليوم السعيد ، والنصر الحميد ، وقويت به النفوس ، وانشرحت به الصدور ، وعزم العسكر على مباكرتهم بالزحف إلى مخيمهم ، عند تكامل
__________________
(١) ذكر ياقوت أكثر من موقع يحمل هذا الاسم ، واكتفى عند أحدها بقوله : موضع بالشام ، وبناء على معطيات المصادر العربية مع وليم الصوري ، فإن موقع براق هو في حوران ، بعد منطقة مرج الصفر حيث كان معسكر الفرنجة وفي منطقة ازرع التابعة لمحافظة درعا قرية ما تزال تحمل اسم براق ، من المرجح أنها المقصودة ، وتبعد براق هذه عن درعا مسافة / ١١٢ كم / وعن ازرع / ٨٢ كم / وعن مركز ناحية المسمية / ٢٠ كم /. انظر التقسيمات الإدارية في الجمهورية العربية السورية. ط. دمشق : ١٩٦٨ ، ص : ٥٠.
(٢) هوWilliam de Bury ، كان يمتلك موقعا على مقربة من صور ، قاد حسب وليم الصوري : ٤٠ ـ ٤٢ ، أكثر من ألف من الفرسان انطلق بهم من مرج الصفر حيث كان معسكر الفرنجة ، وقد وصف وليم مقتل هؤلاء الفرسان ثم هزيمة جيوش الفرنجة وأحوال المناخ السيء آنذاك ، ومع هذا تبقى معلومات ابن القلانسي أكثر دقة وأوفى بالتفاصيل.