وكان قد أخذ في الجملة المعروف بشاذي الخادم ، تربية أبي طاهر الصائغ الباطني ، الذي كان بحلب ، وهذا اللعين الخادم كان أصل البلاء والشر ، فعوقب شر عقوبة ، شفت قلوب كثير من المؤمنين ، وصلب ومعه نفر منهم على شرفات سور دمشق ، ليشاهد فعل الله بالظالمين ونكاله بالكافرين ، وكان الحاجب يوسف بن فيروز شحنة البلد ، ورئيسه الوجيه ثقة الملك أبو الذواد مفرج بن الحسن الصوفي ، قد بالغا في التحريض على هلاك هذه الطائفة الخبيثة ، فأخذا في التحرز والاحتياط من اغتيال من يندب إليهما من باطنية ألموت (١) مقر الباطنية ، بلبس الحديد والاستكثار من الحفظة حولهما ، بالسلاح الوافر العتيد ، فحصل الشقاء لمن أساء وكفر ، والسعادة لمن أحسن واعتبر.
وأما اسماعيل الداعي المقيم ببانياس ، ومن معه فإنهم لما سمعوا ما حدث من هذه الكائنة سقط في أيديهم ، وانخذلوا وذلوا ، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، وتفرق شملهم في البلاد وعلم اسماعيل أن البلاء محيط به إن أقام ببانياس ، ولم يكن له صبر على الثبات ، فأنفذ إلى الأفرنج يبذل لهم تسليم بانياس إليهم ، ليأمن بهم ، فسلمها إليهم ، وحصل هو وجماعته في أيديهم ، فتسللوا من بانياس إلى الأعمال الأفرنجية على غاية من الذلة ، ونهاية من القلة ، وعرض لإسماعيل علة الذرب ، فهلك بها ، وقبر في بانياس في أوائل سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، فخلت منهم تلك الناحية ، وتطهرت من رجسهم.
وفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ورد الخبر من بغداد بوفاة الوزير جلال الدين أبي علي الحسن بن علي بن صدقة ، وزير الخليفة رحمهالله ، في جمادى الآخرة منها ، وكان حسن السيرة ، محمود الطريقة ، كاتبا فاضلا ، بليغا محبوبا من الخاصة والعامة ، سديد الرأي ، حميد التدبير ، صادق
__________________
(١) مقر قيادة الدعوة الإسماعيلية الجديدة في الشرق ـ انظر الدعوة الإسماعيلية الجديدة : ٥٧ ـ ٥٩.