من دار القلعة بدمشق ، وجرى في المجلس أمور ومخاطبات مع تاج الملوك والحضور ، انتهى الأمر فيها إلى الانصراف إلى منازلهم ، والعود إلى دورهم ، ونهض الوزير المذكور منصرفا بعدهم على رسمه ، فأشار تاج الملوك إلى خصمه فضرب رأسه بالسيف ضربات أتت عليه ، وقطع رأسه ، وحمل مع جثته إلى رمادة باب الحديد ، فألقيت عليها ينظر الكافة إلى صنع الله تعالى بمن مكر ، واتخذ معينا سواه ، وبغيره انتصر ، وأحرقت جثته بعد أيام بالنار ، وصارت رمادا تذروه الرياح ، ذلك بما قدمت يداه ، وما الله بظلام للعبيد (١).
وشاع الخبر بذاك في الحال ، فثارت الأحداث بدمشق ، والغوغاء والأوباش بالسيوف والخناجر المجردة ، فقتلوا من ظفروا به من الباطنية وأسبابهم ، وكل ما متعلق بهم ، ومنتم إليهم ، وتتبعوهم في أماكنهم ، واستخرجوهم من مكامنهم ، وأفنوهم جميعا تقطيعا بالسيوف ، وذبحا بالخناجر ، وجعلوا مصرعين على المزابل كالجيف الملقاة ، والميتة المجتواة ، وقبض منهم نفر كثير التجأوا إلى جهات يحتمون بها ، وأملوا السلامة بالشفاعة منها قهرا ، وأريقت دماؤهم هدرا وأصبحت النواحي والشوارع منهم خالية ، والكلاب على أشلائهم وجيفهم متهاوشة عاوية إن في (١٢٢ ظ) ذلك لآية لأولي الألباب.
__________________
(١) جاء في مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٥٢٣ ـ : «وفيها كانت فتنة الإسماعيلية بدمشق ، وكان ابن محرز قد سلم إليهم حصن القدموس لأن بوري قصده ليأخذه منه ، فسلمه إليهم ، وكان الوزير المزدقاني بدمشق يكاتبهم ويهاديهم خوفا من بني الصوفي ، فشرع وجيه الدين المفرج بن الصوفي رئيس دمشق مع بوري في الإغراء بالإسماعيلية ، وهون عليه أمرهم ، وساعده الحاجب ابن فيروز ، ثم اتفقوا على قتل الوزير المزدقاني ، فاستدعاه بوري إلى القلعة سابع رمضان ، فجلس عنده ، فلما قام ليخرج ، وثبت عليه جماعة من الأجناد ، فقتلوه في دهليز قلعة دمشق ، وقطعوا رأسه وأحرقوا جسده في باب الحديد ، ثم مضوا إلى دار الدعوى ، وقتلوا كل من بها ، وثار عوام دمشق على الإسماعيلية ، فقتلوهم شر قتلة ، ذبحا بالسيوف ورميا بالحجارة ، وصلبوا منهم جماعة على سور دمشق ، فكان عدة من قتل منهم عشرة آلاف على ما قيل ، ولم يتعرضوا لحريمهم ولا لأموالهم ... وكان ـ طاهر بن سعد أبو علي الوزير المزدقاني ـ سمحا جوادا ، بنى المسجد على الشرف الشمالي في دمشق ، عند تربة ست الشام ، ويسمى مسجد الوزير ، وفيه القراء وعليه الوقف ، وكان قد عاداه وجيه الدولة ابن الصوفي ، فانتمى إلى الإسماعيلية خوفا منه».