المنايا ، ولم تلم بساحته الرزايا ، وأبقته الأيام لها رتبة تتباهى بها ، وحلية تنافس بها ، إلا أن الله تعالى لا يغالب أمره ، ولا يدافع حكمه ، ولابد من تمام ما سبق به علمه ، وحدوث ما تقرر نفاذه في خلقه ، لأن الموت غاية الحيوان ، ونهاية ما يكون من مصير الإنسان ، وقد كان هذا الأمير السعيد قد بالغ في استعمال العدل ، والكف عن الظلم ، وأعاد على جماعة من الرعية أملاكا في ظاهر البلد جمة داثرة ، أغتصبت منهم في زمن الولاة الظالمة ، وقبضت عنهم في زمن العتاة الجبابرة ، وجرت عليهما أحكام المقاسمة وعتت الأيدي العادية الغاشمة ، فأعادها إلى خراجها القديم المستقر ، ورسمها السالف المستمر ، ورفع عنها مواد الجور والعدوان ، وحسم عن مالكيها أسباب التأول في كل مكان وأوان ، فأحرز بذاك صالح الدعاء ، وجميل الشكر والثناء.
ثم رفع إلى أمير المؤمنين الخليفة المسترشد بالله ، رقعة عند مصيره إلى بغداد ، (١٢٠ و) ومهاجرته إلى الباب الإمامي المسترشدي ، والسلطاني الغياثي ، يذكر فيها حال مواضع داثرة في عمل دمشق ، وحصص عامرة ، وأرض معطلة لا مالك لها ولا فائدة في عطلتها ، ولا انتفاع لخاصي ولا عامي بشيء منها ، لدثورها ودروس معالمها ورسومها ، واستأذنه في بيعها ممن رغب فيها ، ويؤثر عمارتها للانتفاع بريعها وغلتها ، وصرف ما يحصل من ثمنها في الأجناد المرتبين للجهاد ، فأذن له في ذلك أذنا تاما ، مؤكدا إباحه له ، وأمضاه لمن يملكه بالابتياع منه ، وأحله وأطلقه ، ووقع بذاك على ظهر الرقعة بالإمضاء ، وإبطال التأول فيه ، والتحذر من إبطال شيء من حكمه ، أو التجاوز لرسمه ، ووكد بالعلامة الشريفة الإمامية المسترشدية بخطه الكريم ، ووكل في بيع ذلك من ارتضاه من ثقات الأمناء ، الوكالة الصحيحة التي قبلها منه ، وتقلدها عنه وأشهد عليه الشهود المعدلين ، وأمضى البيع في ذلك لمن رغب فيه ، فعمرت عدة ضياع يبابا خالية ، وعلى عروشها خاوية ، وأرض عافية لا انتفاع بها ولا