سنة إثنتين وعشرين وخمسمائة
في هذه السنة اشتد المرض بظهير الدين أتابك ، وطال به طولا أنهك قوته ، وأنحل جسمه ، وأضعف منته ، وأشفى منه على نزول ما لا يدفع بحيلة ، ولا يمنع بقوة ، فأحضر ولده الأمير تاج الملوك ، وأمراء دولته وخواصه ، وأهل ثقته ، وأعيان عسكريته ، وأعلمهم بأنه قد أحس من نفسه بانقطاع الأجل ، وفراغ المهل ، وخيبة الرجاء من البقاء والأمل ، «ولم يبق غير الوصية بما يعمل عليه ، ويدبر به الأمر بعدي ، وينتهي إليه ، وهذا ولدي تاج الملوك بوري ، هو أكبر ولدي والمترشح للانتصاب مكاني من بعدي ، والمأمول لسد ثلمة فقدي ، ولا أشك في (١١٩ ظ) سداد طريقته وإيثاره لفعل الخير ومحبته ، وأن يكون مقتفيا لآثاري في حفظ قلوب الأمراء والعسكرية ، وعاملا على مثالي في إنصاف الأعيان والرعية ، فإن قبل وصيتي هذه ، ونهج السبيل المرضية في بسط المعدلة والنصفة ، في الكافة ، وأزال بحسن سياسته عنهم أسباب الوجل والمخافة ، فذاك الظن في مثله ، والمرجو من سداده ، وجميل فعله ، وإن عدل عن ذلك إلى غيره ، وحاد عن ما يؤثر من السداد في سره وجهره ، فها هو مشاهد لهذه الحال ، ومتوقع لمثل هذا المآل» ، فقال : بل أوفي على المراد ، ولا أتعدى سبيل السداد والرشاد ، فوكد الأمر عليه في ذلك تأكيدا ، فهمه منه وقبله عنه.
ثم توفي إلى رحمة الله ، ضحى نهار السبت لثمان خلون من صفر من السنة ، فأبكى العيون ، وانكأ القلوب ، وفت في الأعضاد ، وفتت الأكباد ، واشتد الأسف لفقده ، والجزع عليه ، ولم يسمع إلا متفجع له ، وذاكر لجميل أفعاله ، وشاكر لأيامه.
وقام ولده تاج الملوك بوري بالأمر من بعده ، وأحسن السيرة في خاصه ورعيته وجنده ، فلو كانت مجاري الأقدار تدفع إليه عن ذوي المناصب والأخطار ، لكان هذا الأمير السعيد الفقيد أحق من تخطأته