وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية العراق ، بمسير السلطان مغيث الدنيا والدين محمود ، وقد عبث به مرض خاف منه على نفسه ، محمولا في محفة نحو همذان ، واجتاز عند ذلك بدار الخلافة ، وراسل الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين ، يسأله المسامحة بما سبق منه في تلك النوبة بينهما ، وأن يحلله ويدعو له ، ولا يدعو عليه ، فخرج إليه جواب الرسالة بأجمل جواب ، وألطف خطاب ، طابت بها نفسه وزاد في استماعها أمله في البر وأنسه ، ثم إنه أفاق من مرضه هذا وعاوده نشاطه بعد الكسل والفتور وعاد إلى الغرض المأثور ، وكان قد أنكر على وزيره شمس الملوك خواجه بزرك أمورا ، دعته إلى الأمر بالقبض عليه ، وتسليمه إلى حاجبه فقتله ، وقيل إنه شرب الخمر في قحف رأسه.
وفي شعبان من هذه السنة قصد بغدوين ملك الأفرنج ، صاحب بيت المقدس ، في عسكره وادي موسى ، فنهب أهله وسباهم وشرد بهم ، وعاد عنهم.
وفي جمادى الآخرة منها ورد الخبر بأن الأمير ختلغ آبه السلطاني ولي مدينة حلب ، وحصل في قلعتها بطالع اختير له ، ولم يقم إلا القليل حتى فسد أمره واضطرب حاله ، ووقع بينه وبين أحداث الحلبيين ، فحصروه في القلعة إلى أن وصل إلى حلب عسكر الأمير عماد الدين أتابك فتسلمه من القلعة ، واعتقل واستؤذن في أمره ، فأذن في سمل عينيه ، فسملتا.
__________________
الدين أيضا ، وركب هو وصلاح الدين إلى دار الوزير ـ وهو حينئذ أنوشروان بن خالد ـ فقال له : قد علمت أنت والسلطان أن بلاد الجزيرة والشام قد استولى الفرنج عليها ، وتمكنوا منها ، وقويت شوكتهم ، وقد كان البرسقي يكف بعض عاديتهم ، فمذ قتل ازداد طمعهم ، وهذا ولده طفل ، ولابد للبلاد من شهم شجاع يذب عنها ويحمي حوزتها ، وقد أنهينا الحال إليك ، لئلا يجري خلل أو وهن على الإسلام والمسلمين ، فنحصل نحن بالأثم من الله ، واللوم من السلطان ، فأنهى الوزير ذلك إلى السلطان ، فقال : من تريان يصلح لهذه البلاد ، فقد نصحتما لله تعالى وللمسلمين ، فذكرا جماعة فيهم عماد الدين زنكي ، وعظما محله أكثر من غيره ، فمال السلطان إلى توليته ، لما علم من شهامته وكفايته وعقله لما تولاه ، وأمره بالحضور عنده ، وفصل الحال في خدمة يحملها ، واستقر الحال وولاه البلاد جميعها ، وكتب منشوره إلى بغداد».