فيها والإفساد ، فعزم ظهير الدين أتابك ، عند معرفته هذه الأحوال ، التي لا يصدر مثلها عن أريب ، ولا يبدو شبهها عن حازم في رأيه لبيب ، على الاستعداد لقصده في عسكره ، حين يدنو من الأعمال الشامية ، فيوقع بعسكره ، ويشفي غليله بالفتك بحزبه ، فما كان بعد ذلك إلا الأيام القلائل حتى انفصمت عرى شبابه ، ونزل محتوم القضاء به ، بهجوم مرض حاد عليه بظاهر الرحبة ، أتى عليه وأصاره إلى المحتوم ، الذي لابد له عنه ، ولا مجير له منه ، فانفل حده ، وخذله أنصاره وجنده ، وأسلمته للقضاء حماته ، وتفرقت عنه خواصه وثقاته ، وهلك في الحال وزيره وشريكه في الوزر ومشيره ، بعلة شديدة أعجلته ، في إشراك المنية أوبقته ، وهرب جماعة من خواص غلمان أبيه الأتراك بأعلامه التي كانت قد استعملها على مراده وإيثاره ، وتناهى في إحكامها على قضية اقتراحه واختياره ، ووصلوا بها إلى ظهير الدين أتابك متحفين له بها ، ومتقربين إليه بإهدائها ، فأحسن إليهم وبالغ في الإكرام لهم ، والإنعام عليهم ، واصطفاهم لنفسه ، وضمهم إلى ثقاته وأهل أنسه ، وقابلهم على وفودهم عليه (١١٩ و) وبالفعل الجميل والعطاء الجزيل (١).
__________________
(١) جاء في كتاب الباهر لابن الأثير : ٣٢ ـ ٣٥ : «لما قتل البرسقي قام بالموصل بعد ابنه عز الدين مسعود ، وأرسل إلى السلطان يطلب أن يقرر البلاد عليه ، فأجابه إلى ذلك ، وأقره على ما كان لأبيه من الأعمال ، فضبط البلاد ، وقام فيها المقام المرضي ، وكان شابا عاقلا ، فجمع عساكر أبيه وأحسن إليهم ، وكان يدبر الأمر بين يديه الأمير جاولي ـ وهو مملوك تركي من مماليك أبيه ـ وكان أيضا عاقلا حسن السيرة ، فجرت الأمور على أحسن نظام ، فلم تطل أيامه ، وأدركه في عنفوان شبابه حمامه ، وتوفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ، فولي بعد أخوه الأصغر ، وقام بتدبير دولته جاولي أيضا ، وأرسل إلى السلطان يطلب أن يقرر البلاد عليه ، وبذل أموالا كثيرة .. وكان واسطة ذلك القاضي بهاء الدين أبا الحسن علي بن الشهرزوري ، وصلاح الدين محمد الياغسياني ، فحضرا إلى بغداد ليخاطبا السلطان في ذلك ، وكانا يخافان جاولي ، ولا يرضيان بطاعته والتصرف بحكمه ، فاجتمع صلاح الدين ونصير الدين جقر ـ الذي كان أعظم أصحاب أتابك زنكي منزلة وكان بين نصير الدين وصلاح الدين مصاهرة فذكر له صلاح الدين ما قدم له ، فخوفه نصير الدين من جاولي وتحكمه على صاحبه ، وقال له : إن رأيت أن تطلب البلاد لعماد الدين فهو الرأي ، لأن السلطان صورة وأنا وأنت معنى ، فأجابه إلى ذلك ، وأخذه إلى القاضي بهاء الدين بن الشهرزوري ، متحدثا معه ووعده نصير الدين ومناه ، وضمن له عن عماد الدين من الأملاك والأقطاع ، والوقوف على اختياره ما جاوز أمله ، فأجاب بهاء