الأفرنج إلى البقاع ، فاجتمع رأيهما على القصد لهما جميعا ، وأغذا السير ليلا ونهارا ، بحيث هجموا عليهم ، وهم غارون ، في مخيمهم قارون ، لا يشعرون فأرهقهم العسكر ، فلم يتمكنوا من ركوب خيلهم ، ولا أخذ سلاحهم ، فمنحهم الله النصر عليهم ، وأطلقوا السيف فيهم قتلا وأسرا ونهبا ، فأتوا على الراجل وهم خلق كثير ، قد جمعوا من أعمالهم ، وأسروا وجوه فرسانهم ومقدميهم ، وأعيان شجعانهم ، وقتلوا الباقين منهم ، ولم يفلت منهم غير مقدمهم بدران بن صنجيل والمقدم كند اصطبل ، ونفر يسير معهما ، ممن نجا به جواده ، وحماه أجله ، واستولى الأتراك على العدد الجمة ، والخيول والكراع والسواد ، وذكر الحاكي المشاهد العارف أن المفقود المقتول من الأفرنج الخيالة والسرجندية (١) الرجالة ، والنصارى الخيالة والرجالة في هذه الوقعة ما يزيد على ثلاثة آلاف نفس.
وعاد ظهير الدين أتابك ، وسيف الدين (آق) سنقر البرسقي في عسكريهما إلى دمشق مسرورين بالظفر السني ، والنصر الهني ، والغنائم الوافرة ، والنعم المتوافرة ، فلم يفقد من العسكريين بشر ، ولا أصابهم بؤس ولا ضرر ، ووصلا البلد بالأسرى ورؤوس القتلى ، وخرج الناس من البلد لمشاهدتهم ، واستبشروا بمعاينتهم ، وسروا بنظرهم سرورا ، واصلوا معه حمد الله مولي النصر ، ومانح القهر ، وشكروه تعالى على ما سناه من الاستظهار المبين بالاستعلاء المشرق الجبين ، وأقام آق سنقر البرسقي أياما بعد ذلك وتوجه (١٠٩ و) عائدا إلى بلده بعد استحكام المودة بينه ، وبين ظهير الدين ، والمصافاة والموافقة على الاعتضاد في الجهاد ، متى حدث أمر أو حزب خطب.
__________________
(١) حوت جيوش الفرنجة عدة نوعيات من الأسلحة تقدمها سلاح الفرسان الثقال من طبقة النبلاء الإقطاعية ، وتلاهم «السر جندية» وهم رجالة ثقال كانت تجندهم الكنائس والديرة وتنفق هذه المؤسسات عليهم ، وغالبا ما كان السرجندية ضعف عدد الفرسان الثقال ، وبعد هؤلاء جاء الخيالة أو الفرسان الخفاف «التركبول» ثم الرجالة العاديين والحجاج وكان الجزء الأكبر من الصنفين الأخيرين من المرتزقة. أفضل مصدر حول هذا الموضوع كتاب فن الحرب في الحروب الصليبية (بالانكليزية) تأليف ر. سميل. ط. لندن ١٩٦٧.