وأصلح ، قال الله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)(١) فيلتلقى هذه النعمة الكبيرة ، والعارفة الخطيرة بإعظام قدرها ، والقيام بواجب شكرها ، وليتحقق أنها قاطنة بفنائه ما أحسن جوارها بخالصة نصحه وولائه ، وباقية عليه وعلى عقبه ما عملوا بأحكام هذا العهد ، وعنوا بتأكيد أسبابه ، وأعلنوا بشعار الدولة ، واستمروا على السنة المألوفة في إقامة الخطبة والسكة ، وتمسكوا بولاء الدولة العباسية التي هي سنة متبعة ، وما عداها ضلالة مبتدعة ، (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)(٢) وأحسنوا السيرة في عباده وبلاده ، والله تعالى يمدنا وإياه في هذا الرأي الذي رأيناه ، ويزلف من رضاه ويحمد فاتحته وعقباه ، إن شاء الله تعالى.
وكتب في المحرم سنة عشر وخمسمائة
وتوجه منكفئا إلى دمشق ، على أجمل صفة وأحسن قضية في سلامة النفس والجملة ، وتزايد العز والحرمة ، ودخلها في يوم الاثنين (١٠٨ ظ) لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة.
سنة عشر وخمسمائة
في هذه السنة ورد الخبر بأن بدران بن صنجيل (٣) ، صاحب طرابلس ، قد جمع وحشد ، وبالغ واجتهد ، ونهض إلى ناحية البقاع لإخرابه بالعيث والفساد والإضرار والعناد ، وكان الاصفهسلار سيف الدين البرسقي ، صاحب الموصل ، قد وصل إلى دمشق في بعض عسكره ، لمعونة ظهير الدين أتابك على الأفرنج ، والغزو فيهم ، وبالغ أتابك في الإكرام له والتعظيم لمحله ، وصادف ورود هذا الخبر بنهضة
__________________
(١) القرآن الكريم ـ النجم : ٣٩ ـ ٤١.
(٢) القرآن الكريم ـ الحج : ٧٨.
(٣) كذا في الأصل وهو وهم ، فبرتران كان قد توفي سنة ٥٠٥ ه / ١١١٢ م وخلفه ابنه بونز وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ص ٢٨٩ انظر كتاب طرابلس الشام : ١٤٩ ـ ١٥٢.