المجردة ما شاكل الأجمة المشتبكة ، والغيضة الآشبة ، والناس حولهما لمشاهدة زيهما وكبر شأنهما ، فلما حصلا في صحن الجامع ، وثب رجل من بين الناس لا يؤبه له ، ولا يحفل به فقرب من الأمير مودود ، كأنه يدعو له ، ويتصدق منه فقبض ببند قبائه بسرعة وضربه بخنجره أسفل سرته ضربتين إحداهما نفذت إلى خاصرته ، والأخرى إلى فخذه ، هذا والسيوف تأخذه من كل جهة ، وضرب بكل سلاح وقطع رأسه ليعرف شخصه ، فما عرف ، وأضرمت له نار فألقي فيها ، وعدا أتابك خطوات وقت الكائنة ، وأحاط به أصحابه ، ومودود متماسك يمشي إلى أن قرب من الباب الشمالي من الجامع ، ووقع فحمل إلى الدار الأتابكية ، وأتابك معه ماش ، واضطرب الناس اضطرابا شديدا ، وماجوا واختلفوا ثم سكنوا بمشاهدتهم له يمشي ، وظنوا به السلامة ، وأحضر الجرائحي فخاط البعض ، وتوفي رحمهالله بعد ساعات يسيرة في اليوم المذكور ، فقلق أتابك لوفاته على هذه القضية ، وتزايد حزنه وأسفه وانزعاجه (١) ، وكذلك سائر الأجناد والرعية ، وتألموا لمصابه ، وزاد التأسف والتلهف عليه ، وكفن ودفن وقت صلاة العصر من اليوم في مشهد داخل باب الفراديس من دمشق ، وكل عين تشاهده باكية ، والمدامع على الوجنات جارية ، وشرع أصحابه في التأهب للعود إلى أماكنهم من الموصل وغيرها من البلاد ، وتقدم أتابك بإطلاق ما يستدعونه لسفرهم ، واستصحبوا معهم أثقاله وجواريه (٢) وماله.
وقد كانت سيرته في ولايته جائرة ، وطريقته في رعية الموصل غير حميدة ، وهرب خلق كثير من ولايته لجوره ، فلما بلغه تغير نية السلطان فيه ، عاد عن تلك الطريقة وحسنت أفعاله ، وظهر عدله وإنصافه ، واستأنف
__________________
(١) ذكر الرهاوي الذي كان معاصرا (الموسوعة الشامية ج ٥٢ ص ٣٠٠) أن طغتكين هو الذي دبر اغتياله خوفا على ملكه ونسب ذلك إلى الحشيشية ، انظر الحشيشية ص ١١٩.
(٢) في الأصل «لجواره» وهو تصحيف قوم من مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٥٠٧ ه انظر أيضا ص : ١ / ٥١ من ط. حيدر أباد ١٩٥١.