ديارهم ، وتأخر عودهم ، وتعذر أوطارهم ، فتفرق أكثرهم وعادوا إلى بلادهم ، فاستأذن آخرون في العود فأذن لهم ، وعزم مودود على المقام بالشام ، والقرب من العدو ينتظر ما يصله من الأمر السلطاني ، والجواب عما أنهاه وطالع به ، فيعمل بحسبه ، ولم يبق في بلاد الأفرنج مسلم ، إلا وأنفذ يلتمس الأمان من أتابك ، وتقرير حاله ، ووصل إليه بعض ارتفاع نابلس ، ونهبت بيسان ، ولم يبق بين عكا والقدس ضيعة عامرة ، والأفرنج على حالهم في التضييق عليهم ، والحصر على الجبل.
واقتضى الرأي عود أتابك ومودود ، فعادا إلى دمشق في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة ، ونزل مودود في حجرة الميدان الأخضر ، وبالغ أتابك في إكرامه واحترامه وإعظامه ، بما يجد إليه السبيل ، وتأكدت المودة بينهما والمصافاة ، وتولى خدمته بنفسه وخاصته ، وواصلا صلاة الجمعة جميعا في مسجد الجامع بدمشق ، والتبرك بنظر المصحف الكريم الذي كان حمله عثمان بن عفان رضياللهعنه من المدينة إلى طبرية ، وحمله أتابك من طبرية إلى جامع دمشق (١).
سنة سبع وخمسمائة
قد ذكرنا ما ذكرناه من الحوادث في سنة ست وخمسمائة وسياقة الأمر إلى أوائل سنة سبع وخمسمائة رغبة في صلة الحديث ، ورغبة عن قطعه ، ولما كان يوم الجمعة الأخيرة من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسمائة دخل (١٠٢ ظ) الأمير مودود من مخيمه بمرج باب الحديد إلى الجامع ، على رسمه ، ومعه أتابك ، فلما قضيت الصلاة ، وتنفل بعدها مودود ، وعادا جميعا وأتابك أمامه على سبيل الإكرام له ، وحولهما من الديلم والأتراك والخراسانية والأحداث والسلاحية بأنواع السلاح من الصوارم المرهفة والصمصامات الماضية ، والنواجح المختلفة والخناجر
__________________
(١) في تاريخ الإسلام للذهبي أن هذا كان سنة / ٤٩٢ / خوفا على المصحف من الوقوع بيد الفرنج.