أرض بيت المقدس ويافا وأخرجت أعمالهم ودوختها ، واستاقت عواملها ومواشيها ، وغنمت ما وجدته فيها فانثنى الرأي عن الصعود ، ودامت الحال على هذه القضية إلى آخر صفر.
وعقيب هذه النوبة ، وصل من حلب من عسكر الملك فخر الملوك رضوان مائة فارس على سبيل المعونة ، خلاف ما كان قرره ، وبذله فأنكر ظهير الدين أتابك وشرف الدين مودود ذلك منه ، وأبطلا العمل بما كانا عزما عليه من الميل إليه ، وإقامة الخطبة له ، وذلك في أول شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة ، وسيرا رسولا إلى السلطان غياث الدنيا والدين إلى مدينة أصفهان ، بالبشارة بهذا الفتح ، ومعه جماعة من أسارى الأفرنج ، ورؤوسهم وخيولهم وطوارقهم ، ومضاربهم ، وأنواع سلاحهم.
ثم إن العسكر رحل من المنزل إلى وادي المقتول (١) ونزل الأفرنج عند ذلك عن الجبل إلى منزلهم ، والتجأوا إلى جبل في المنزل ، وتواصلت إليهم ميرهم وأزوادهم وإمدادهم من أعمالهم ، فعاد إليهم عسكر الأتراك من منزلهم جرائد في بضع عشرة كردوسا ، ولزموا أياما يرومون أن يخرجوا إليهم ، فلم يظهروا للحرب ، ولازم بعضهم (١٠٢ و) بعضا الفارس والراجل في مكان واحد ، لا يظهر منهم شخص ، وجعل الأتراك يحملون عليهم فيصيبون منهم بالنشاب ما يقرب منهم ، ويمنعون الميرة والعلوفة عنهم ، وقد أحدقوا بهم كالنطاق أو هالة بدر الآفاق ، فاشتد الأمر بهم فرحلوا عن منزلهم في ثلاثة أيام تقدير فرسخ عائدين ، فلما كان الليل قصدوا الجبل الذي كانوا أولا عليه ملتجئين إليه ومحتمين به ، وواظب المسلمون قصدهم والتلهف على ما يفوت منهم ، ومن غنائمهم بالاستمرار على الإحجام عن ظهورهم ، على أن مقدمي العسكر يمنعوهم من التسرع إليهم والإقدام في منزلهم عليهم ، ويعدونهم بفرصة تنتهز فيهم ، فطال أمد المقام ، وضاقت صدور أصحاب مودود لبعد
__________________
(١) لم أجده في المصادر.