الخلاف والعصيان ، وأن يده ويد أتابك قد صارت يدا واحدة ، وآراؤهما متوافقة ، وأهواؤهما متوافقة ، فلما عرف ذلك سير ولده وزوجته إلى باب السلطان بأصفهان للتنصل والاعتذار ، وإبطال ما رقي إليه من المحال ، والتبرىء مما أفتري عليه وعزي إليه ، والاستعطاف له ، والإعلام بأنه جار على ما ألف منه على إخلاص الطاعة والعبودية والمناصحة في الخدمة ، والاهتمام بالجهاد.
ثم جمع عسكره من الأتراك والأكراد ومن أمكنه ، وتوجه إلى الشام ، وقطع الفرات في ذي القعدة من السنة ، فحين اتصل خبره ببغدوين الملك قلق لذلك ، وانزعج لخبره ، وكان جوسلين صاحب تل باشر قد اختلف هو وخاله بغدوين الرويس ، صاحب الرها ، وصار مع بغدوين صاحب بيت المقدس ، وأقطعه طبرية ، واتفقا على أن راسل جوسلين لظهير الدين أتابك يبذل المصافاة والمودة ، ويرغبه في الموادعة والمسالمة ، ويسلم إليه حصن تبنين المجاور لحصن هونين (١) وجبل عاملة ، ويتعوض عن ذلك بحصن الحبيس الذي في السواد ، ونصف السواد ، ويضمن عن بغدوين الوفاء بذلك ، والثبات على المودة ، والمصافاة وترك التعرض لشيء من أعمال دمشق ، ولا يعرض هو لشيء من أعمال الأفرنج ، فلم يجب إلى ذلك ، ونهض من دمشق في المعسكر للقاء الأمير مودود ، والاجتماع به ، على الجهاد ، فاجتمعا بمرج سلمية ، واتفق رأيهما على قصد بغدوين (١٠١ و) وسارا وقد استصحب أتابك جميع العسكر ،
__________________
(١) فراغ بالأصل ، وجميع الذين تعرضوا لهذا الموضوع لم يأت واحد منهم على ذكر هذه التفاصيل حتى وليم الصوري : ١ / ٤٩٧ ـ ٥٠٠ ، اكتفى بذكر أسباب الخلاف بين بلدوين صاحب الرها وجوسلين صاحب تل باشر ، فبين أنها أسباب مالية ، ووصف إلقاء القبض على جوسلين وطرده إلى مملكة القدس ، وكذا فعل ابن الأثير في الكامل : ٨ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦. الباهر : ١٧ ـ ١٩ ، ورسم الناسخ في هذه الصفحة اسم الحصن الأول مرة «ثمانين» ومرة ثانية «تمنين» وحيث أن المنطقة هي جبل عاملة وجدت في كل من الأعلاق الخطيرة ـ قسم الأردن : ١٥٢. وصبح الأعشى : ٤ / ١٥١ ـ ١٥٢ : هونين وتبنين «حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس بجبل عاملة» وهنا رجحت أن يكون اسم «ثمانين ، تمنين» مصحف صوابه تبنين ، وبناء على هذا قدرت أن الاسم الساقط هو : هونين.