وفي جمادى الآخرة منها ، وصل رسول متملك الروم بهدايا وتحف ومراسلات ، مضمونها البعث على قصد الأفرنج ، والإيقاع بهم والاجتماع على طردهم من هذه الأعمال ، وترك التراخي في أمرهم ، واستعمال الجد والاجتهاد في الفتك بهم قبل إعضال خطبهم واستفحال شرهم ، ويقول إنه قد منعهم من العبور إلى بلاد المسلمين ، وحاربهم ، فإن طمعوا فيها ، بحيث تتواصل عساكرهم وإمدادهم إلى البلاد الإسلامية احتاج إلى مداراتهم وإطلاق عبورهم ومساعدتهم على مقاصدهم وأغراضهم ، للضرورات القائدة إلى ذلك ، ويبالغ في الحث والتحريض على الاجتماع على حربهم ، وقلعهم من هذه الديار بالاتفاق عليهم.
وفي هذه السنة نقض الملك بغدوين صاحب بيت المقدس الهدنة المستقرة بين أتابك وبينه ، وكتب إلى ابن صنجيل صاحب طرابلس يلتمس منه الوصول إليه في عسكره ، ليجتمع معه في طبرية ، وجمع وحشد ، ورحل إلى ناحية بيت المقدس لتقرير أمر كان في نفسه ، فحدث له في طريقه مرض أقام به أياما ، ثم أبل منه وأفاق ، وقصد في حشده ناحية البثنية من حوران ، وقد أطرح كل من في الشام ، ولم يبق في عينه منهم أمر يحفل به من جهتهم ، فنهض ظهير الدين أتابك عند معرفته قصده في عسكره ، ونزل في المنزل المعروف برأس الماء (١) ، ثم رحل عنه إلى اللجاة ، ونهض الأفرنج في إثره إلى الصنمين (٢) ، ففرق أتابك العسكر عليهم من عدة جهات ، وبث في المعابر والمسالك خيلا تمنع من حمل الميرة إليهم ، وضايقهم مضايقة ألجأتهم إلى الدخول في حكم المسالمة والموادعة ، وترددت المراسلات في ذلك (٩٥ ظ) إلى أن استقرت الحال بينهما على أن يكون لبغدوين النصف من ارتفاع جبل عوف والسواد
__________________
(١) اسمه الآن نبع السريا قرب قرية فقيع بحوران بين جاسم ونوى ، جرت مياهه إلى قرية الشيخ مسكين ويبعد عن دمشق مسافة / ٧٠ كم /.
(٢) على الطريق الدولية التي تصل دمشق بدرعا. وتبعد عن دمشق حوالي / ١٥ / ميلا.