الكواكب ، وظن أهل تلك الأعمال بأن القيامة قد قامت ، وخرج الناس من منازلهم وأسواقهم إلى الصحراء ، وركدت الريح ، وأقلع السحاب ، وعاد الناس إلى منازلهم سالمين من الأذى ، وكانت مدة هذه الشدة منذ صلاة العصر إلى صلاة المغرب.
وفيها وصل السلطان غياث الدين محمد بن ملك شاه من همذان إلى بغداد ، في جمادى الأولى منها ، ووردت الكتب والرسل إليه من الشام بإنهاء الحال ، وما جرى من الأفرنج بعد عودهم عن الفرات ، ونوبة صيدا والأثارب وأعمال حلب.
ولما كان أول جمعة من شعبان حضر رجل من الأشراف الهاشميين من أهل حلب ، وجماعة من الصوفية والتجار والفقهاء إلى جامع السلطان ببغداد ، فاستغاثوا وأنزلوا الخطيب عن المنبر ، وكسروه ، وصاحوا وبكوا لما لحق الإسلام من الأفرنج ، وقتل الرجال وسبي النساء والأطفال ، ومنعوا الناس من الصلاة ، والخدم والمقدمون يعدونهم عن السلطان بما يسكنهم من إنفاذ العساكر ، والانتصار للإسلام من الأفرنج والكفار ، وعاودوا في الجمعة الثانية المصير إلى جامع الخليفة ، وفعلوا مثل ذلك من كثرة البكاء والضجيج والاستغاثة والنحيب.
ووصلت عقيب ذلك الخاتون السيدة ، أخت السلطان ، وزوجة الخليفة إلى بغداد من أصفهان ، ومعها من التجمل والجواهر والأموال والآلات ، وأصناف المراكب والدواب والأثاث (٩٥ و) وأنواع الملابس الفاخرة ، والخدم والغلمان والجواري والحواشي ، مالا يدركه حزر فيحصر ، ولا عد فيذكر ، واتفقت هذه الاستغاثة ، فتكدر ما كان صافيا من الحال والسرور بمقدمها ، وأنكر الخليفة المستظهر بالله أمير المؤمنين ما جرى ، وعزم على طلب من كان الأصل والسبب ليوقع به المكروه ، فمنعه السلطان من ذلك ، وعذر الناس فيما فعلوه ، وأوعز إلى الأمراء والمقدمين بالعود إلى أعمالهم ، والتأهب للمسير إلى جهاد أعداء الله الكفار.