الرويس (٩٣ و) صاحبها عنها ، وتوجه صحبة الأفرنج المنهزمين ، وأقام عسكر الإسلام على الفرات أياما نازلا بإزائهم ، ورحل طالبا للعود إلى منازلة الرها ، وعرف ظهير الدين أتابك خبر عودهم على تلك الصفة ، فعاد منكفئا إلى عمله لحمايته منهم ، بعد أن نفذ شطرا وافرا من معسكره إلى النازلين على الرها لمعونتهم ، ووصل إلى دمشق وأقام من كان أنهضه من عسكره إلى الرها إلى أن خلت البلاد منهم وأذن لهم في العود إلى أماكنهم بعد إكرامهم والإحسان إليهم (١).
وترددت بين أتابك ظهير الدين ، وبين الأمير شرف الدين مودود مراسلات ، أفضت إلى استحكام المودة بينهما ، واتفاق الكلمة ، وتأكيد أسباب الإلفة ، فطال مقام عسكر الاسلام على الرها لامتناعها وحصانتها ، وقل تواصل الميرة إلى المخيم ، وعدم وجودها ، فدعتهم الحاجة إلى العود عنها ، فتفرقوا بعد أن رتبوا من يقيم على حران لحصر الرها.
وحدث لنجم الدين ايل غازي بن أرتق استيحاش من سكمان القطبي لأمر تجدد بينهما ، فأجفل من حران إلى ماردين ، فقبض سكمان على ابن أخيه بلك ، وحمله معه إلى بلده مقيما.
وبعد تفرق العساكر الاسلامية عن الرها عاد إليها بغدوين الرويس صاحبها ، وحصل بها ، والغارات متواصلة على أطرافها ، وقد كان الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب لما عرف هزيمة الأفرنج خرج إلى أعمال حلب ، واستعاد ما كان غلب الأفرنج عليه منها ، وغار على عمل أنطاكية ، وغنم منه غنيمة وافرة ، ولما عرف خبر عودهم عاد إلى حلب ، ووصل الأفرنج عقيب ذلك فأفسدوا في عمل حلب ، وقتلوا وأسروا خلقا كثيرا ، وعاد طنكري ونزل على الأثارب (٢) ، وملكها بعد طول
__________________
(١) كان جمع العساكر الاسلامية موسميا خاضعا لقواعد الاقطاع العسكري.
(٢) هي قلعة حصينة بين حلب وأنطاكية. اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير. ط.
بيروت : ١٩٨٠.