واتصلت الأخبار بظهير الدين أتابك ، وعرف صورة الحال فيما تقرر بينهم ، فسار من دمشق في العسكر وخيم على سلمية ، وعرف أن الافرنج قد قصدوا في طريقهم رفنية ، وفيها الأمير شمس الخواص واليها ، وأنهم لما نزلوا عليها ظهر إليهم في خيله وقتل منهم جماعة ، ووصل إلى المخيم بسلمية ، واجتمع إليه خلق كثير من الشام ، ووصل الخبر بحصول الأفرنج على الفرات عازمين على قطعه (قصد) الرها ، فرحل أتابك في الحال وتوجه إلى ناحية الرقة وقلعة جعبر ، وقطع الفرات وتلوم هناك إلى أن عرف خبر الأفرنج ، أنهم قد أحجموا عن العبور لتفرق سرايا العساكر الاسلامية وطلائعهم في سائر الجهات والمسالك إلى الفرات.
ولما عرف المسلمون قرب الأفرنج منهم ، اتفقت الآراء فيما بينهم على الإفراج لهم ليتمكنوا من لقائهم في الفضاء من شرقي الفرات ، ورحلوا عن الرها في آخر ذي الحجة منها ، ونزلوا أرض حران على سبيل الخديعة والمكر ، وكانت حران قد حصلت للأمير مودود ، وسلمها إلى نجم الدين ايل غازي بن أرتق ، وتوقف المسلمون عن لقاء الأفرنج إلى أن يقربوا منهم ، ويصل إليهم عسكر دمشق ، وفطن الأفرنج لهذا التدبير والاتفاق عليه ، فخافوا واستشعروا الهلاك والخذلان ، وأجفلوا ناكصين على الأعقاب إلى شاطىء الفرات ، وبلغ المسلمين خبرهم ، فنهضوا في إثرهم وأدركهم سرعان الخيل وقد قطع الفرات بعضهم من مقدميهم ، فغنم المسلمون سوادهم وأثقالهم ، وأتوا على العدد الدثر من أتباعهم قتلا وأسرا وتغريقا في الفرات ، وامتلأت الأيدي من الغنائم والأسلاب والسبي والدواب ، ولم يتمكن المسلمون من قطع الفرات للحاق بهم بحكم اشتغالهم بأمر الرها ، والعود إليها ، وكانوا قد أخرجوا منها كل ضعيف الحال ، ورتبوا جماعة من الأرمن لحفظها ، وحملوا إليها ما صحب العسكر الواصل من الأقوات تقوية لها ، وخرج بغدوين