حصرها والمضايقة لها ، وذلك في جمادى الآخرة من السنة ، وآمن أهلها ، وخرج منها من أراد الخروج ، وأقام من آثر المقام ، واستقرت الموادعة بعد ذلك بين الملك فخر الملوك رضوان وبين طنكري ، على أن يحمل إليه الملك من مال حلب في كل سنة عشرين ألف دينار مقاطعة ، وعشرة أرؤس خيلا ، وفكاك الأسرى ، واستقرت على هذه القضية.
وفيها وصل الملك بغدوين صاحب (٩٣ ظ) بيت المقدس إلى ناحية بعلبك وعزم العيث والإفساد في ناحية البقاع ، وترددت المراسلة بينه وبين ظهير الدين أتابك في هذا المعنى ، إلى أن تقررت الموادعة بينهما على أن يكون الثلث من استغلال البقاع للأفرنج ، والثلثان للمسلمين والفلاحين ، وكتبت بينهما المواصفة بهذا الشرح في صفر من السنة ، ورحل عائدا إلى عمله ، وقد فاز بما حصل في يده وأيدي عسكره من غنائم بعلبك ، والبقاع.
ووردت الأخبار فيها بوصول بعض ملوك الأفرنج في البحر ، ومعه نيف وستون مركبا مشحونة بالرجال لقصد الحج والغزو في بلاد الإسلام ، فقصد بيت المقدس ، وتوجه إليه بغدوين واجتمع معه ، وتقرر بينهما قصد البلاد ، فلما عادا من بيت المقدس نزلا على ثغر صيدا في ثالث شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسمائة وضايقوه برا وبحرا ، وكان الاصطول المصري مقيما على ثغر صور ، ولم يتمكن من إنجاد صيدا ، فعملوا البرج وزحفوا به إليها ، وهو ملبس بحطب الكرم والبسط وجلود البقر الطرية ، ليمنع من الحجارة والنفط ، وكانوا إذا أحكموه على هذه الصورة نقلوه على بكر تركب تحته في عدة أيام متفرقة ، فإذا كان يوم الحرب وقرب من السور ، زحفوا به وفيه الماء والخل لطفي النار ، وآلة الحرب.
فلما عاين من بصيدا هذا الأمر ، ضعفت نفوسهم ، وأشفقوا من مثل نوبة بيروت ، فأخرج إليهما قاضيها وجماعة من شيوخها ، وطلبوا من