وفي هذه السنة أسرى ظهير الدين أتابك في عسكره إلى طبرية ، وفرق عسكره فرقتين نفذ إحداهما إلى أرض فلسطين ، والأخرى غار بها على طبرية ، فخرج إليه صاحبها في رجاله المعروف بجر فاس ، وهو من مقدمي الأفرنج المشهورين بالفروسية والشجاعة (٨٨ و) والبسالة ، وشد المراس ، يجري مجرى الملك بغدوين في التقدم على الأفرنج ، فالتقاه وأحاطت خيل الأتراك به وبأصحابه ، فقتل أكثرهم وأسر هو وجماعة معه ، وحملوا إلى دمشق (١) ، فأنفذ بعضهم هدية إلى السلطان وقتل جرفاس ومن كان معه في الأسر من أصحابه بعد أن بذلوا في إطلاقهم جملة من المال فلم يقبلها.
وفيها تقدم السلطان غياث الدنيا والدين محمد عند وصوله إلى بغداد برفع المكوس ، وإبطال رسمها عن التجار والمسافرين في جميع بلاده ، وحظر تناول اليسير منها ، فلما عاد إلى أصفهان منها ، طمع في التجار ، وأخذ منهم المكس على سبيل الخلاف لما أمر ، فلما عاد إلى بغداد وانتهى الأمر إليه أنكر ما جرى في مخالفة أمره ، ووكد الأمر في إبطال ذلك ، وحذر من المخالفة له في سائر البلاد.
وفيها وردت الأخبار من بغداد بوقوع النار في الجانب الشرقي منها ، فأحرقت ما يزيد على خمسمائة دار وافتقر أهلها.
وفيها تناصرت أخبار الباطنية بقلعة ألموت والحصون المجاورة لها في إيغالهم في الفساد ، وإفاظة النفوس بالعدوان والإلحاد ، فأنهض السلطان وزيره أحمد بن نظام الملك خواجه بزرك ، ومعه جاولي سقاوه ، في عسكر
__________________
(١) تحدث وليم الصوري في تاريخه ـ الترجمة الانكليزية : ١ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ عن حملة طغتكين هذه لكنه لم يذكر جرفاس هذا بين رجال ملك القدس أو المدافعين عن طبرية. وأورد سبط ابن الجوزي هذا الخبر فقال : «وفيها أغار طغتكين على طبرية ، وبها جرفاس مقدم الفرنجية وكان من أكبر الملوك ، فخرج من طبرية ، والتقوا فقتل أتابك منهم مقتلة عظيمة ، وأسر جرفاس وخواصه ، فبذل في نفسه أموالا عظيمة ، فلم يقبل منه ، وبعث به وبأصحابه هدية إلى السلطان».