كثيف ، فأظفره الله بهم ، ونصره عليهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وخرب منازلهم وقلاعهم (١).
وفي هذه السنة نهض بغدوين في عسكره المخذول من الأفرنج نحو ثغر صيدا ، فنزل عليه في البحر والبر ، ونصب البرج الخشب عليه ، ووصل الأسطول المصري للدفع عنه ، والحماية له فظهروا على مراكب الجنوية ، وعسكر البر ، واتصل بهم نهوض العسكر الدمشقي لحماية صيدا ، والذب عنها ، فرحلوا عنها عائدين إلى أماكنهم.
سنة إثنتين وخمسمائة
فيها أنفذ صاحب عرقة (٢) إلى ظهير الدين أتابك رسوله ، يلتمس منه المعونة على دفع الأفرنج عنها ، وإنفاذ من يتسلمها ، فندب بعض ثقاته فتسلمها وأقام واليها (٣) ، منتظرا وصول العسكر إليها ، والوفاء بما وعد به من الخلع عليه ، والاحسان إليه ، فحدث في (٨٨ ظ) الوقت من الثلوج والأمطار ما عاق المسير إليها ، وقل القوت بها ، وانقطعت الميرة عنها ، فبادر الأفرنج بالنزول عليها ، وتوجه ظهير الدين عند ذاك إليها ، فصادفهم قد أحاطوا بها ، ولم يتمكن من دفعهم عنها ، وعاد إلى حصن الأكمة (٤) ، ونزل عليه وقاتله فلما عرف الأفرنج ذلك ، نهضوا إليه في
__________________
(١) انظر كتاب الدعوة الاسماعيلية الجديدة : ٧١.
(٢) كانت عرقة هي الخط الدفاعي الأول عن طرابلس ، تقع على ساحل البحر وتبعد عن طرابلس مسافة اثنتي عشر ميلا ، تقويم البلدان : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٣) في الأصل «واليا» وهي تصحيف صوابه ما أثبتنا.
(٤) لم أجد هذا الحصن في المظان المتوفرة ، وفي الكامل لابن الأثير : ٨ / ٢٥٦ ما يفيد اثباته حول عرقه ، فقد ذكر أن حصن عرقه وهو من الحصون المنيعة «انقطعت عنه الميرة لطول مكث الفرنج في نواحيه ، فأرسل ـ صاحبه ـ إلى أتابك طغتكين صاحب دمشق ، وقال له : أرسل من يتسلم هذا الحصن مني ، قد عجزت عن حفظه ، ولأن يأخذه المسلمون خير لي دنيا وآخرة من أن يأخذه الفرنج ، فبعث إليه طغتكين صاحبا له اسمه اسرائيل في ثلاثمائة رجل يتسلم الحصن ، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه اسرائيل في الأخلاط بسهم فقتله ، وكان قصده بذلك أن يطلع أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال ، وأراد طغتكين قصد الحصن للاطلاع عليه وتقويته بالعساكر والأقوات وآلات الحرب ، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ليلا ونهارا ، فمنعه ، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ففتح حصونا للفرنج منها حصن الأكمة ، فلما سمع» الفرنج ....