ذلك ، وتوجه فخر الملك إلى بغداد ، ومعه تاج الملوك بوري بن ظهير الدين أتابك ، وقد كان أتابك عرف أن جماعة ممن يحسده في باب (٨٧ ظ) السلطان ، ويقع فيه بالسعاية ، ويقصده بالأذية وإفساد الحال عند السلطان ، فأصحب ولده المذكور من الهدايا والتحف من الخيول ، والثياب ، وغير ذلك مما يحسن إنفاذ مثله ، واستوزر له أبا النجم هبة الله ابن محمد بن بديع ، الذي كان مستوفيا للسلطان الشهيد تاج الدولة ، وجعله مدبرا لأمره ، وسفيرا بينه وبين من أنفذ إليه ، وتوجه في الثامن من شهر رمضان سنة إحدى وخمسمائة ، فلما وصلا إلى بغداد لقي فخر الملك من السلطان الإكرم والاحترام ما زاد على أمله ، وتقدم إلى جماعة من أكابر الأمراء بالمسير معه لمعونته وإنجاده على طرد محاصري بلده ، والايقاع بهم ، والابعاد لهم ، وقرر مع العسكر المجرد معه الإلمام بالموصل ، وانتزاعها من يدي جاولي سقاوة ، ثم المصير بعد ذلك إلى طرابلس ، فجرى ما تقدم به الشرح من ذلك ، وطال مقام فخر الملك ، طولا ضجر معه ، وعاد إلى دمشق في نصف المحرم سنة اثنتين وخمسمائة.
فأما تاج الملوك بن ظهير الدين فجرى أمره ، فيما نفذ لأجله ، على غاية مراده ونهاية محابه ، وصادف من السلطان في حق أبيه وحقه ما سره ، وعاد منكفئا إلى دمشق بعد ما شرف به من الخلع السنية الإمامية والسلطانية ، ووصل إلى دمشق آخر ذي الحجة من السنة.
وأقام فخر الملك بن عمار في دمشق بعد وصوله إليها أياما ، وتوجه منها مع خيل من عسكر دمشق جردت معه إلى جبلة ، فدخلها وأطاعه أهلها ، وأنفذ أهل طرابلس إلى الأفضل بمصر يلتمسون منه إنفاذ وال يصل إليهم في البحر ، ومعه الغلة والميرة في المراكب لتسلم إليه البلد ، فوصل إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب واليا من قبل الأفضل ، ومعه الغلة فلما وصل إليها ، وحصل فيها ، قبض على جماعة أهل فخر الملك بن عمار وأصحابه ، وذخائره وآلاته وأثاثه ، وحمل الجميع إلى مصر في البحر.