البحر والبر ، وهم الذين كانوا ملكوا ثغر جبيل في نيف وتسعين مركبا ، فحصروه من جهاته وضايقوه من جوانبه ، ولازموه بالقتال إلى أن عجز واليه ورجاله عن حربهم ، وضعف أهله عن المقاتلة لهم ، وملكوه بالسيف قهرا ، وكان الوالي به الأمير زهر الدولة نبأ (١) الجيوشي قد خرج منه لعجزه عن حمايته ، وضعفه عن المراماة دونه ، وأنفذ يلتمس منهم الأمان له ولأهل الثغر ، ليأسه من وصول نجدة أو معونة ، فلما ملك الثغر تم على حاله منهزما إلى دمشق ، فدخلها وأكرمه ظهير الدين أتابك ، وأحسن تلقيه ، وكان وصوله إلى دمشق يوم الخميس لثلاث بقين من شعبان ، وتقدم شمس الملوك دقاق وظهير الدين أتابك في حقه ، بما طيب نفسه وأكد أنسه ، وأقام بدمشق إلى أن تسهلت له السبيل في العود إلى مصر ، فتوجه إليها عائدا ، ووصل إليها سالما ، وأوضح عذره فيما تم عليه من الغلبة ، فقبل عذره بعد الإنكار عليه ، والغيظ من فعله.
وفي هذه السنة عرض للملك شمس الملوك دقاق ابن السلطان تاج الدولة ، صاحب دمشق ، مرض تطاول ، ووقع معه تخليط الغذاء ، أوجب انتقاله إلى علة الدق ، فلم يزل به وهو كل يوم في ضعف ونقص ، فلما أشفى ووقع اليأس من برءه ، وانقطع الرجاء من عافيته (٢) ، تقدمت إليه والدته الخاتون صفوة الملك بأن يوصي بما في نفسه ، ولا يترك أمر الدولة وولده سدى ، فعند ذلك نص على الأمير ظهير الدين أتابك في الولاية بدمشق من بعده ، والحضانة لولده الصغير تتش بن دقاق بن تاج
__________________
(١) كذا في الأصل ، وفي النفس شيء منه ، ولم أجد في المتوفر من المصادر المتوفرة ما يفيد حوله ، ولعل عبارة «نبأ» زائدة فحين أورد سبط ابن الجوزي الخبر قال : «وكان واليها زهر الدولة الجيوشي».
(٢) أورد ابن عساكر في تاريخه سببا غير هذا لوفاة دقاق حيث قال : «ثم عرض لدقاق مرض تطاول به ، وتوفي منه في الثاني عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وأربعمائة ، وإن أمه زيّنت له جارية ، فسمته في عنقود عنب معلق في شجرته ، ثقبته بإبرة فيها خيط مسموم ، وإن أمه ندمت على ذلك بعد الفوت ، وأومأت إلى الجارية أن لا تفعل ، فأشارت إليها أن قد كان ، وتهرى جوفه ، فمات».
مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ٣٨٦.