سنة سبع وتسعين وأربعمائة
في رجب منها وردت الأخبار بوصول مراكب الأفرنج في البحر من بلادهم إلى ظاهر اللاذقية مشحونة بالتجار والأجناد والحجاج ، وغير ذلك ، وأن صنجيل المنازل لطرابلس استنجد بهم على طرابلس ، في مضايقتها والمعونة على ملكتها ، وأنهم وصلوا إليه فاجتمعوا معه على منازلتها ومضايقتها ، فقاتلوها أياما ورحلوا عنها ، ونزلوا على ثغر جبيل فقاتلوه وضايقوه وملكوه بالأمان ، فلما حصل في ملكتهم ، غدروا بأهله ، ولم يفوا بما بذلوه من الأمان وصادروهم ، واستنفدوا أحوالهم وأموالهم بالعقوبات وأنواع العذاب.
وورد الخبر باجتماع الأميرين : سكمان بن أرتق ، وجكرمش صاحب الموصل في عسكرهما [وأنهما] تعاهدا وتعاقدا على المجاهدة في أعداء الله الأفرنج ، وبذل الطاقة والاستطاعة في حربهم ، ونزلا في أوائل شعبان من السنة برأس العين ، ونهض بيمند وطنكري في عسكريهما من ناحية أنطاكية إلى الرها لإنجاد صاحبها على الأميرين المذكورين ، فلما قربا من عسكر المسلمين النازلين على الرها ، تأهب كل من الفريقين للقاء صاحبه ، فالتقوا في تاسع شعبان فنصر الله المسلمين عليهم ، وهزموهم وقتلوا منهم (٧٨ و) مقتلة كبيرة ، وكانت عدتهم تزيد على عشرة آلاف فارس وراجل سوى السواد والأتباع ، وانهزم بيمند وطنكري في نفر يسير ، وكان نصرا حسنا للمسلمين لم يتهيأ مثله وضعفت نفوس الأفرنج ، وقلت عدتهم ، وفلت شوكتهم وشكتهم وقويت نفوس المسلمين وأرهفت (١) عزائمهم في نصرة الدين ، ومجاهدة الملحدين ، وتباشر الناس بالنصر عليهم ، وأيقنوا بالنكاية فيهم ، والإدالة منهم.
وفي هذا الشهر ورد الخبر بنزول بغدوين ملك الأفرنج ، صاحب بيت المقدس ، في عسكره على ثغر عكا ، ومعه الجنويون في المراكب في
__________________
(١) تكررت «وأرهفت بالأصل».