وفيها انكفأ الأمير كربوقا صاحب الموصل والجزيرة عن السلطان بركيارق لمشاهدة أحوال ولايته ، واستعادة المخالفين إلى طاعته ، فلما وصل إلى مراغة عرض له مرض الموت ، واشتد به ، وتوفي هناك ، وسار إلى ربه.
وفي هذه السنة وصل السلطان بركيارق بن ملك شاه إلى بغداد ، منهزما من أخيه السلطان محمد في آخرها (١).
سنة خمس وتسعين وأربعمائة
وفي هذه السنة وردت الأخبار بما أهل خراسان والعراق والشام عليه ، من الخلاف المستمر والشحناء والحروب والفساد ، وخوف بعضهم من بعض ، لاشتغال الولاة عنهم والنظر في أحوالهم بالخلف والمحاربة.
وفيها وصل قمص (٢) الرها ، مقدم الأفرنج في عسكره المخذول إلى ثغر بيروت ، فنزل عليه طامعا في افتتاحه ، وحاربه وضايقه وطال مقامه عليه ، ولم يتهيأ فيه مراد فرحل عنه.
ووردت مكاتبات فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يلتمس فيها المعونة على دفع ابن صنجيل النازل في عسكره من الأفرنج على طرابلس ، ويستصرخ بالعسكر الدمشقي ، ويستغيث بهم ، فأجيب إلى ما التمس ، ونهض العسكر نحوه ، فاجتمعوا في عدد دثر وقصدوا ناحية أنطرطوس ، ونهد الأفرنج إليهم في جمعهم وحشدهم ، وتقارب الجيشان والتقيا هناك ، فانفل عسكر المسلمين من عساكر المشركين ، وقتل منهم
__________________
(١) تحالف محمد مع أخيه سنجر ضد بركيارق ، وقدم الاثنان إلى بغداد ، فهرب منها بركيارق إلى واسط ثم إلى الجبل. مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٤٩٤.
(٢) كان بلدوين الأول أخو غودفري في بولليون هو كونت الرها ومؤسس الحكم الصليبي فيها ثم صار ملك القدس بعد وفاة أخيه. وقد أرخ كاتب سرياني مجهول لمملكة الرها حتى سقوطها ، وقمت مؤخرا بترجمة هذا النص وأودعته مع نصوص سريانية أخرى في المجلد الخامس من موسوعتنا.