وانهزم بنو عقيل من منازلهم وبلادهم ، وتوجهوا نحو السلطان بركيارق ابن ملك شاه ، وكان علي بن شرف الدولة مسلم بن قريش ووالدته خاتون بنت السلطان محمد بن داود (١) عمة السلطان ملك شاه يشكون ما نزل بهما من السلطان تاج الدولة.
ولما تهيأ لتاج الدولة ما تهيأ ، وما أمله من ملكة البلاد وطاعة العباد ، قويت شوكته وكثرت عدته وعدته ، وحدث نفسه بالسلطنة ، وتوجه إلى ناحية خراسان ، وليس يمر ببلد ولا معقل من المعاقل إلا خرج إليه أهله ، وبذلوا له الطاعة والمناصحة في الخدمة ، وأمره يستفحل وشأنه يعظم.
وفصل عنه قسيم الدولة صاحب حلب ، وعماد الدولة بزان صاحب الرها مغاضبين ، وقصدا ناحية السلطان بركيارق بن ملك شاه مخالفين له وعاصيين عليه ، واقتضت الحال عود تاج الدولة إلى ديار بكر ، ونزل على مدينة سروج (٢) فملكها وولى فيها ، وفي الجزيرة من ارتضاه من ثقات خواصه ، واتصل به خبر وصول الأمير قسيم الدولة آق سنقر صاحب حلب ، ومؤيد الدولة ابن صاحب الرها اللذين (٣) كانا فارقاه إلى السلطان بركيارق ، ودخولهما عليه وإكرامه لهما وحسن موقع وصولهما منه وسروره بمقدمهما عليه ، وأنهما شرعا في الوقوع في ناحية تاج الدولة والتحذير من (٦٨ و) الاهمال لأمره ، والتحريض على معاجلته قبل إعضال خطبه ، وتمكنه من الغلبة على السلطنة والإستيلاء على أعمال المملكة ، وأشارا عليه بالمسير في هذا الوقت ، وطلبا منه من يسير معهما لإيصالهما إلى بلديهما حلب والرها ، فسار معهما لإيصالهما إلى الموصل ، ورد بني عقيل إليهم وقدم عليا بن شرف الدولة مسلم بن قريش
__________________
(١) محمد بن داود هو السلطان ألب أرسلان بن جغري بك.
(٢) بلد من أرض الجزيرة ، وبمقربة من ملطية ، وهي رستاق كثير القرى والكروم في بطن بين جبال. الروض المعطار.
(٣) قبل قليل قال ابن عماد الدولة بوزان نفسه لا ابنه مؤيد الدولة هو الذي ذهب برفقة قسيم الدولة إلى بركيارق.