واستنجد ، وحصل في خلق عظيم ونزل بها في المنزل المعروف بشرقي الهرماس ، ونزل السلطان تاج الدولة على دارا (١) ، فلما كان يوم الاثنين الثاني من شهر ربيع الأول من السنة التقى الجيشان على نهر الهرماس (٢) ، واختلط الفريقان واشتد القتال ، وانكشفت الوقعة عن قتل جماعة من الأتراك والعرب ، وعاد كل فريق منهما إلى مكانه ، فلما استقر بالعرب المنزل ، عاد عسكر تاج الدولة إليهم وهم غارون ، وحمل عليهم وهم غافلون ، فانهزمت العرب ، وأخذهم السيف ، فقتل منهم (٦٧ ظ) العدد الكثير ، والأكثر من الرجالة المقيمين في المخيم ، وقتل الأمير إبراهيم بن قريش وجماعة من الأمراء ، والمقدمين من بني عقيل وغيرهم ، وقيل إن تقدير القتلى من الفريقين عشرة آلاف رجل ، واستولى النهب والسلب والسبي على من وجد في المخيم وامتلأت الأيدي من الغنائم والسواد والمواشي والكراع ، بحيث بيع الجمل بدينار واحد والمائة شاة بدينار واحد ، ولم يشاهد أبشع من هذه الوقعة ، ولا أشنع منها في هذا الزمان ، وقتل بعض النسوان العرب أنفسهن اشفاقا من الهتيكة والسبي ، ولما عادوا بالأسرى والسبي ، وحصلوا بشاطىء الفرات ألقى جماعة من الأسرى أنفسهم في الفرات فهلكوا (٣).
وقصد السلطان تاج الدولة ديار بكر ، ونزل على آمد وضايقها وملكها من ملكة ابن جهير المقيم بها مع الجزيرة ، وولا [٥] نصيبين عوضا عن الجزيرة وملك آمد من ابن مروان وتسلم ميافارقين وأعمالها وقرر أمرها (٤) وانفذ ولاته إلى الموصل وسنجار ، وملك الأعمال
__________________
(١) بلد في ديار ربيعة ، بينها وبين نصيبين خمسة فراسخ ، ولها قلعة مشرفة ، ويليها بمقدار نصف مرحلة مدينة ماردين. الروض المعطار.
(٢) هو نهر الخابور. الروض المعطار.
(٣) تعرف هذه المعركة باسم معركة المضيع أيضا. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٤) ابن مروان هو ناصر الدولة منصور بن مروان ، وابن جهير هو الكافي ابن جهير ، انظر تاريخ ميافارقين. ط. القاهرة ١٩٥٩ : ٢٢٣ ـ ٢٣٧.